بَلْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} [آل عمران: ١٠٦] وَقَالَ تَعَالَى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: ٤٩] وَقَالَ تَعَالَى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: ٤٨] وَقَالَ: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان: ٥٦] وَقَالَ تَعَالَى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا} [النبأ: ٢٤] {إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} [النبأ: ٢٥] وَقَالَ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} [السجدة: ٢١] وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا» .
فَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الذَّوْقِ " فِي إدْرَاكِ الْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ كَثِيرٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ» كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ فَوُجُودُ الْمُؤْمِنِ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ وَذَوْقُ طَعْمِ الْإِيمَانِ أَمْرٌ يَعْرِفُهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْوَجْدُ.
وَهَذَا الذَّوْقُ، أَصْحَابُهُ فِيهِ يَتَفَاوَتُونَ، فَاَلَّذِي يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عِنْدَ تَجْرِيدِ تَوْحِيدِ قُلُوبِهِمْ إلَى اللَّهِ وَإِقْبَالِهِمْ عَلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ بِحَيْثُ يَكُونُونَ حُنَفَاءَ لَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينُ، لَا يُحِبُّونَ شَيْئًا إلَّا لَهُ، وَلَا يَتَوَكَّلُونَ إلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يُوَالُونَ إلَّا فِيهِ، وَلَا يُعَادُونَ إلَّا لَهُ وَلَا يَسْأَلُونَ إلَّا إيَّاهُ، وَلَا يَرْجُونَ إلَّا إيَّاهُ، وَلَا يَخَافُونَ إلَّا إيَّاهُ. يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَ لَهُ وَبِهِ، بِحَيْثُ يَكُونُونَ عِنْدَ الْحَقِّ بِلَا خَلْقٍ، وَعِنْدَ الْخَلْقِ بِلَا هَوًى؛ قَدْ فَنِيَتْ عَنْهُمْ إرَادَةُ مَا سِوَاهُ بِإِرَادَتِهِ، وَمَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ، وَخَوْفُ مَا سِوَاهُ بِخَوْفِهِ، وَرَجَاءُ مَا سِوَاهُ بِرَجَائِهِ، وَدُعَاءُ مَا سِوَاهُ بِدُعَائِهِ، هُوَ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ بِالذَّوْقِ وَالْوَجْدِ إلَّا مَنْ لَهُ نَصِيبٌ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ.
وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ وَهُوَ قُطْبُ الْقُرْآنِ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَاهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute