بِالِاسْتِحَالَةِ، فَإِنَّ نَفْسَ النَّجَسِ لَمْ يَطْهُرْ، بَلْ اسْتَحَالَ وَصَحَّحَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْخَمْرَةَ إذَا خُلِّلَتْ لَا تَطْهُرُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ اقْتِنَائِهَا، مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا، فَإِذَا أَمْسَكَهَا فَهَلْ الْمُوجِبُ لِتَنَجُّسِهَا، عَدَمُ حِلِّهَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ خَمْرُ الْحَلَالِ وَغَيْرِهِ.
وَلَوْ أَلْقَى أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا يُرِيدُ بِهِ إفْسَادَهَا عَلَى صَاحِبِهَا لَا تَخْلِيلَهَا، أَوْ قَصَدَ صَاحِبُهَا ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ إرَاقَتِهَا لِكَوْنِهَا فِي خُبٍّ فَيُرِيدُ إفْسَادَهَا لَا تَخْلِيلَهَا، فَعُمُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَحِلُّ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَحِلَّ وَإِذَا انْقَلَبَتْ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْقِيَاسُ فِيهَا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مِلْحٌ فَيَقَعُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، فَيَنْبَغِي عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنْ تَحِلَّ، وَعَلَى طَرِيقَةِ مَنْ عَلَّلَ النَّجَاسَةَ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ لَا تَحِلُّ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ ذَكَرَ فِي خَمْرِ النَّبِيذِ أَنَّهَا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَا تَحِلُّ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ، وَأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي حِلَّهَا.
أَمَّا تَخْلِيلُ الذِّمِّيِّ الْخَمْرَ بِمُجَرَّدِ إمْسَاكِهَا فَيَنْبَغِي جَوَازُهَا عَلَى مَعْنَى كَلَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ عَلَّلَ الْمَنْعَ بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ الْخَمْرُ، وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْلِمٍ، وَلِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ إمْسَاكِهَا.
وَعَلَّلَ الْقَوْلَ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ فَيُعْفَى مِنْ ذَلِكَ عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالدُّخَانِ، وَالْغُبَارِ الْمُسْتَحِيلِ مِنْ النَّجَاسَةِ، كَمَا يُعْفَى عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَغُبَارِهَا، وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ نَجَسٌ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ نَجَسٌ وَلَمْ يَعْفُ عَمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَائِعُ غَيْرَ الْمَاءِ كَثِيرًا فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ تَوَقَّفَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي طَهَارَتِهِ.
وَتَطْهُرُ الْأَرْضُ النَّجِسَةُ بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ إذَا لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهَا بَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تُغْسَلْ، وَيَطْهُرُ غَيْرُهَا بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي حَبْلِ الْغَسَّالِ، وَتَكْفِي غَلَبَةُ الظَّنِّ بِإِزَالَةِ نَجَاسَةِ الْمَذْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْهُ فِي الْمَذْيِ.
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَارِحِ الطَّيْرِ إذَا أَكَلَتْ الْجِيَفَ، فَلَا يُعْجِبُنِي عِرْقُهَا فَدَلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute