غَيْرِهِمَا، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ تَرَكَ الْجَهْرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ» .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ " النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ " وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِلْوَاقِعِ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ الْجَهْرَ بِهَا، وَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْكُوفَةِ فَلَمْ يَكُونُوا يَجْهَرُونَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ وَسُئِلَ أَنْ يَجْمَعَ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فَجَمَعَهَا، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ فِيهَا شَيْءٌ صَحِيحٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا، وَأَمَّا عَنْ الصَّحَابَةِ فَمِنْهُ صَحِيحٌ، وَمِنْهُ ضَعِيفٌ، وَتُكْتَبُ الْبَسْمَلَةُ أَوَائِلَ الْكُتُبِ كَمَا كَتَبَهَا سُلَيْمَانُ، وَكَتَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَإِلَى قَيْصَرَ وَغَيْرِهِ، فَتُذْكَرُ فِي ابْتِدَاءِ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَنْزِلِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ لِلْبَرَكَةِ، وَهِيَ تَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا ابْتَدَأَ فِعْلًا تَبَعًا لِغَيْرِهَا لَا مُسْتَقِلَّةً فَلَمْ تُجْعَلْ كَالْهَيْلَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، وَنَحْوِهِمَا.
وَالْفَاتِحَةُ أَفْضَلُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهَا «أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ أَعْظَمُ آيِ الْقُرْآنِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّ تَفَاضُلَ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ فِي نَفْسِ الْحَرْفِ أَيْ ذَاتِ الْحَرْفِ، وَاللَّفْظُ بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْفَاتِحَةِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَعَانٍ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: تَوْحِيدٌ، وَقَصَصٌ، وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مُتَضَمَّنَةٌ ثُلُثَ التَّوْحِيدِ، وَلَا يُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا ثَلَاثًا إلَّا إذَا قُرِئَتْ مُنْفَرِدَةً [ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١]] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: السُّنَّةُ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ أَنْ يَقْرَأَهَا كَمَا فِي الْمُصْحَفِ، وَأَمَّا إذَا قَرَأَهَا مُنْفَرِدَةً أَوْ مَعَ بَعْضِ الْقُرْآنِ ثَلَاثًا فَإِنَّهَا تَعْدِلُ الْقُرْآنَ، وَإِذَا قِيلَ: ثَوَابُ قِرَاءَتِهَا مَرَّةً يَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَمُعَادَلَةُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ يَقْتَضِي تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَدْرِ لَا تَمَاثُلَهُمَا فِي الْوَصْفِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: ٩٥] .
وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِقِرَاءَتِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَنْ قِرَاءَةِ سَائِرِ الْقُرْآنِ لِحَاجَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute