تَقْدِيمُ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَوْ مَعَ شَرْطِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِهِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَرْطٍ يُخَالِفُ شَرْطَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُعَادَاةٌ مِنْ جِنْسِ مُعَادَاةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَوْ الْمَذَاهِبِ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ بِالصَّلَاةِ جَمَاعَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إلَّا بِالِائْتِلَافِ، وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» ، وَإِذَا فَعَلَ الْإِمَامُ مَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ يَتْبَعُهُ الْمَأْمُومُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ لَا يَرَاهُ، مِثْلَ: الْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ، وَوَصْلِ الْوِتْرِ، وَإِذَا ائْتَمَّ مَنْ يَرَى الْقُنُوتَ بِمَنْ لَا يَرَاهُ تَبِعَهُ فِي تَرْكِهِ.
وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْفَسَقَةِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّلَاةِ خَلْفَ غَيْرِهِمْ، وَتَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَعْجَزُ عَنْ إزَالَتِهَا بِمَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ، وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ رُكْنًا يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ وَلَا يَعْتَقِدُهُ الْإِمَامُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَاخْتِيَارُ الْمَقْدِسِيَّ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَوْ فَعَلَ الْإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةَ عَنْ أَحْمَدَ لَا تُوجِبُ اخْتِلَافًا وَإِنَّمَا ظَوَاهِرُهَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ، وَمَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ، لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، وَالْآثَارُ، وَقِيَاسُ الْأُصُولِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوْلِيَةُ الْفَاسِقِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْدِمَ الْعَامِّيُّ عَلَى فِعْلٍ لَا يَعْلَمُ جَوَازَهُ وَيُفَسَّقُ بِهِ إنْ كَانَ مِمَّا يُفَسَّقُ بِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا قُدَّامَ الْإِمَامِ لِعُذْرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ مَنْ تَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ لَهُ، فَلَمَّا أَذَّنَ جَاءَ فَصَلَّى قُدَّامَهُ عُزِرَ، وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْفَذِّ لِعُذْرٍ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا مَوْقِفًا خَلْفَ الصَّفِّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ وَحْدَهُ وَلَا يَجْذِبُ مَنْ يُصَافِّهِ لِمَا فِي الْجَذْبِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَجْذُوبِ، فَإِنْ كَانَ الْمَجْذُوبُ يُطِيعُهُ قَائِمًا أَفْضَلُ لَهُ، وَلِلْمَجْذُوبِ الِاصْطِفَافُ مَعَ بَقَاءِ فُرْجَةٍ أَوْ وُقُوفِ الْمُتَأَخِّرِ وَحْدَهُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ حَضَرَ اثْنَانِ وَفِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ، فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ: وُقُوفُهُمَا جَمِيعًا، أَوْ سَدُّ أَحَدِهِمَا الْفُرْجَةَ وَيَنْفَرِدُ الْآخَرُ؟ رَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الِاصْطِفَافَ مَعَ بَقَاءِ الْفُرْجَةِ لِأَنَّ سَدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute