قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ": قَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قُلْنَا لِعَلِيٍّ: مَا الْقَسِّيَّةُ؟ قَالَ: ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنْ الشَّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ كَأَمْثَالِ الْأُتْرُجِّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ ثِيَابٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ، فِيهَا حَرِيرٌ. فَقَدْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهَا ثِيَابٌ فِيهَا حَرِيرٌ وَلَيْسَتْ حَرِيرًا مُصْمَتًا.
وَهَذَا هُوَ الْمُلْحَمُ، وَالْخَزُّ أَخَفُّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُدَاهُ مِنْ حَرِيرٍ، وَالسُّدَى أَيْسَرُ مِنْ اللُّحْمَةِ، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازَهُ بِقَوْلِهِ: فَأَمَّا الْعِلْمُ، وَالْحَرِيرُ، وَالسُّدَى لِثَوْبٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَزَّ ثَخِينٌ، وَالْحَرِيرُ مَسْتُورٌ بِالْوَبَرِ فِيهِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَشْوِ.
وَالْخَزُّ اسْمٌ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: لِلْوَبَرِ الَّذِي يُنْسَجُ مَعَ الْحَرِيرِ وَهُوَ وَبَرُ الْأَرْنَبِ، وَاسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْحَرِيرِ وَالْوَبَرِ، وَاسْمُ لِرَدِيءِ الْحَرِيرِ.
فَالْأَوَّلُ، وَالثَّانِي: حَلَالٌ، وَالثَّالِثُ: حَرَامٌ، وَجَعَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُلْحَمَ، وَالْقَسِّيَّ، وَالْخَزَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، وَجَعْلُ التَّحْرِيمِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَ الْمُلْحَمَ، وَالْقَسِّيَّ، وَالْإِبَاحَةُ قَوْلُ ابْنِ الْبَنَّاءِ؛ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْخَزَّ، وَهَذَا لَا يَصْلُحُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: وَيُلْبَسُ الْخَزِّ، وَلَا يُلْبَسُ الْمُلْحَمُ، وَلَا الدِّيبَاجُ. وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ، فَإِبَاحَةُ الْخَزِّ دُونَ الْمُلْحَمِ، وَغَيْرِهِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الْخَزِّ خِلَافًا فَقَدْ غَلِطَ.
وَأَمَّا لُبْسُ الرِّجَالِ الْحَرِيرَ: كَالْكُلُوبَةِ، وَالْقَبَاءِ: فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَجْنَادِ وَغَيْرِهِمْ، لَكِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي لُبْسِهِ عِنْدَ الْقِتَالِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَظْهَرُهُمَا الْإِبَاحَةُ، وَأَمَّا إنْ احْتَاجَ إلَى الْحَرِيرِ فِي السِّلَاحِ وَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فَهَذَا يَجُوزُ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَمَّا إلْبَاسُهُ الصِّبْيَانَ الَّذِينَ دُونَ الْبُلُوغِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا: التَّحْرِيمُ.
وَلُبْسُ الْفِضَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ لَفْظٌ عَامٌّ بِالتَّحْرِيمِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَ مِنْهُ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَإِذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِإِبَاحَةِ خَاتَمِ الْفِضَّةِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute