الْإِيمَانِ كَأَهْلِ الْكَبَائِرِ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَحَدِهِمْ زَجْرًا لِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ كَانَ حَسَنًا وَلَوْ امْتَنَعَ فِي الظَّاهِرِ وَدَعَا لَهُ فِي الْبَاطِنِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِ إحْدَاهُمَا.
وَتَرْكُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُسْلَ الشَّهِيدِ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، أَمَّا اسْتِحْبَابُ التَّرْكِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْفِعْلِ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ وَلَوْ لِأَجْلِ أَهْلِهِ فَقَطْ إحْسَانًا إلَيْهِمْ لِتَأَلُّفِهِمْ أَوْ مُكَافَأَةً أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمَيِّتُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ، وَحَمَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَلَى أَنَّ الثِّيَابَ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا الْعَبْدُ هِيَ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ سَوَاءٌ كَانَ صَالِحًا أَوْ سَيِّئًا؛ وَرَجَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ هَذَا بِأَنَّ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ «يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ حَاتِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
وَقَالَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُبَيِّنُ أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُرَاةً، وَيُسْتَحَبُّ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ إذَا مَرَّتْ بِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ، وَإِذَا كَانَ مَعَ الْجِنَازَةِ مُنْكَرٌ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إزَالَتِهِ تَبِعَهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنْكَرَ بِحَسَبِهِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ مَعَ الْجِنَازَةِ وَلَوْ بِالْقِرَاءَةِ اتِّفَاقًا وَضَرْبُ النِّسَاءِ بِالدُّفِّ مَعَ الْجِنَازَةِ مُنْكَرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَنْ بَنَى فِي مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ فَهُوَ عَاصٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ وَيَحْرُمُ الْإِسْرَاجُ عَلَى الْقُبُورِ وَاِتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا وَبَيْنَهَا وَيَتَعَيَّنُ إزَالَتُهَا.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمَعْرُوفِينَ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَّا عَلَى الْجَنَابَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُ الْمَسْجِدَ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَاقِفًا قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ قَدْ فَعَلَهُ عَلِيٌّ وَالْأَحْنَفُ.
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَقِفُ فَيَدْعُو» وَلِأَنَّهُ مُعْتَادٌ بِدَلِيلٍ قَوْله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤] وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَتَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ مِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَدْ اسْتَحَبَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَكْرَهُهُ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute