للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَيْرِهِ فَالْأَقْوَالُ فِيهِ ثَلَاثَةٌ: الِاسْتِحْبَابُ وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ يُمْتَحَنُ وَيُسْأَلُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ قَالَهُ أَبُو حَكِيمٍ وَغَيْرُهُ وَيُكْرَهُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ.

وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا» فَسَّرَ بَعْضُهُمْ الْقَبْرَ بِأَنَّهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، كَمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ.

فَأَمَّا إذَا وَقَعَ الدَّفْنُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا تَعَمُّدٍ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْفِرَ قَبْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ وَلَا أَصْحَابُهُ وَالْعَبْدُ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَمُوتُ.

وَإِذَا كَانَ مَقْصُودُ الرَّجُلِ الِاسْتِعْدَادَ لِلْمَوْتِ، فَهَذَا يَكُونُ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَيُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ رَحْمَةً لَهُ وَهُوَ أَكْمَلُ مِنْ الْفَرَحِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْمَيِّتُ يَتَأَذَّى بِنَوْحِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَا يُهَيِّجُ الْمُصِيبَةَ مِنْ إنْشَادِ الشِّعْرِ وَالْوَعْظِ فَمِنْ النَّائِحَةِ وَفِي الْفُنُونِ لِابْنِ عَقِيلٍ مَا يُوَافِقُهُ وَيَحْرُمُ الذَّبْحُ وَالتَّضْحِيَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَنَقَلَ أَحْمَدُ كَرَاهَةَ الذَّبْحِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاءُ الْأَكْلَ مِنْ هَذِهِ الذَّبِيحَةِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَإِخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وَهِيَ تُشْبِهُ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ وَلَا يُشْرَعُ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْقُبُورِ الصَّدَقَةُ وَغَيْرُهَا، وَيَجُوزُ زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ لِلِاعْتِبَارِ وَلَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ زِيَارَةِ قَبْرِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ، وَاسْتَفَاضَتْ الْآثَارُ بِمَعْرِفَةِ الْمَيِّتِ أَهْلَهُ وَبِأَحْوَالِ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَجَاءَتْ الْآثَارُ بِأَنَّهُ يَرَى أَيْضًا وَبِأَنَّهُ يَدْرِي بِمَا يُفْعَلُ عِنْدَهُ فَيُسَرُّ بِمَا كَانَ حَسَنًا وَيَتَأَلَّمُ بِمَا كَانَ قَبِيحًا وَتَجْتَمِعُ أَرْوَاحُ الْمَوْتَى فَيَنْزِلُ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى لَا الْعَكْسُ وَلَا تَتْبَعُ النِّسَاءُ الْجَنَائِزَ وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةَ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ.

وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ: إنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ أَفْضَلُ وَلَا رَخَّصَ فِي اتِّخَاذِهِ عِيدًا كَاعْتِيَادِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَوْ الذِّكْرِ أَوْ الصِّيَامِ، وَاِتِّخَاذُ الْمَصَاحِفِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ وَلَوْ لِلْقِرَاءَةِ وَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>