للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَأَقْدَمُ مَنْ بَلَغَنَا أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ الْمُوَفَّقِ أَحَدُ الشُّيُوخِ الْمَشْهُورِينَ كَانَ أَقْدَمَ مِنْ الْجُنَيْدِ وَأَدْرَكَ أَحْمَدُ طَبَقَتَهُ وَعَاصَرَهُ وَعَاشَ بَعْدَهُ وَاتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَسَّحُ بِالْقَبْرِ وَلَا يُقَبِّلُهُ بَلْ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ وَلَا يُقَبَّلُ إلَّا الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ يُسْتَلَمُ وَلَا يُقَبَّلُ عَلَى الصَّحِيحِ قُلْت: بَلْ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ حُجْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَدَعَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَدْعُ مُسْتَقْبِلًا لِلْقَبْرِ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَفْعَلُونَهُ وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَعَ الْمَنْصُورِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي وَقْتِ التَّسْلِيمِ هَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ أَوْ الْقِبْلَةَ فَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْقَبْرَ وَتَغْشِيَةُ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَغَيْرِهِمْ لَيْسَ فِي الدِّينِ.

وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْخَضِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَيِّتٌ لَمْ يُدْرِكْ الْإِسْلَامَ وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَمُتْ بِحَيْثُ فَارَقَتْ رُوحُهُ بَدَنَهُ بَلْ هُوَ حَيٌّ مَعَ كَوْنِهِ تُوُفِّيَ وَالتَّوَفِّي الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ يَصْلُحُ لِتَوَفِّي النَّوْمِ وَلِتَوَفِّي الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ فِرَاقُ الرُّوحِ الْبَدَنَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَبْضَ الَّذِي هُوَ قَبْضُ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا.

وَنَهْيُ النِّسَاءِ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ هَلْ هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ أَوْ تَحْرِيمٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ تَرْجِيحُ التَّحْرِيمِ لِاحْتِجَاجِهِ بِلَعْنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَتَصْحِيحِهِ إيَّاهُ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ ادِّعَاءُ النَّسْخِ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ وَالْمَرْأَةُ لَا يُشْرَعُ لَهَا زِيَارَةٌ، لَا الزِّيَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَا غَيْرُهَا اللَّهُمَّ إلَّا إذَا اجْتَازَتْ بِقَبْرٍ بِطَرِيقِهَا فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَدَعَتْ لَهُ فَهَذَا أَحْسَنُ.

وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَقَابِرُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُتَمَيِّزَةً عَنْ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلَّمَا بَعُدَتْ كَانَ أَصْلَحَ.

وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا أَنَّ الْعَذَابَ أَوْ النَّعِيمَ لِرُوحِ الْمَيِّتِ وَبَدَنِهِ وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَأَيْضًا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانَا فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ أَوْ الْعَذَابُ وَلِأَهْلِ السُّنَّةِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ النَّعِيمَ أَوْ الْعَذَابَ يَكُونُ لِلْبَدَنِ دُونَ الرُّوحِ

<<  <  ج: ص:  >  >>