للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: فَقَدْ جَعَلَا فِيمَا إذَا لَمْ يُسَمِّ الْوَكِيلُ الْمُوَكِّلَ فِي الْعَقْدِ رِوَايَتَيْنِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ إذَا قَالَ: زَوَّجْتُك فُلَانَةَ فَقَالَ قَبِلْت فَقَدْ انْعَقَدَ النِّكَاحُ فِي الظَّاهِرِ لِلْوَكِيلِ، فَإِذَا قَالَ نَوَيْت أَنَّ النِّكَاحَ لِمُوَكِّلِي فَهُوَ يَدَّعِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَأَنَّ الزَّوْجَ غَيْرُهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ تُصَدِّقَهُ، وَلَوْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَوْلًا وَاحِدًا إلَّا أَنَّ هُنَا الْإِنْكَارَ مِنْ الزَّوْجِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ إنْكَارِ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ قَبِلَ مِنْهُ فَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا ثُمَّ كَتَبَ لِزَوْجَتِهِ الْجَدِيدَةِ وَكَالَةً، وَقَالَ مَتَى رَدَّدْتهَا كَانَ طَلَاقُهَا بِيَدِك إلَى مُدَّةِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَدْ طَلَّقَ الَّتِي بِيَدِهَا الْوَكَالَةُ.

فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ يَظُنُّ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِحَالِهَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا وَكَّلَ امْرَأَتَهُ فِي بَيْعٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ تَبْطُلْ الْوَكَالَةُ بِالتَّطْلِيقِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَلَيْسَتْ كَتِلْكَ، وَالصَّوَابُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالتَّطْلِيقِ لِأَنَّهُ هُنَاكَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَقَدْ اسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَ مَتَاعَهُ فَيُوَكِّلُ شَخْصًا وَهُنَا الْمُرَادُ تَمْكِينُهَا هِيَ مِنْ الطَّلَاقِ لِئَلَّا تَبْقَى زَوْجَةً إلَّا بِرِضَاهَا.

وَأَمَّا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَلَا يَقْصِدُ رِضَاهَا كَيْفَ وَقَدْ طَلَّقَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا جَعَلَ الشَّرْطَ لَازِمًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا لَازِمًا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا ابْتِدَاءً: أَمْرُك بِيَدِك، أَوْ أَمْرُ فُلَانَةَ بِيَدِك، فَإِنَّ هَذَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَنْ ادَّعَى الْوَكَالَةَ فِي اسْتِيفَاءِ حَقٍّ فَصَدَّقَهُ الْغَرِيمُ لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا الْيَمِينُ إنْ كَذَّبَهُ، وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْغَرِيمَ مَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يُنْكِرُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي بَعَثَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى وَكِيلِهِ وَعَلَّمَ لَهُ عَلَامَةً، فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّ ذَلِكَ الْوَكِيلَ لَمْ يَكُنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ.

وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَدْلًا وَجَبَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَجْحَدُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَثْنِي، فَإِنْ دَفَعَ مِنْ عِنْدِهِ الْحَقَّ إلَى الْوَكِيلِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْوَكَالَةَ رَجَعَ عَلَيْهِ وِفَاقًا، وَمُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَيْسَ تَصْدِيقًا وَكَذَا إنْ صَدَّقَهُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ أَصْحَابِنَا، بَلْ نَصِّ إمَامِنَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقَهُ فَقَدْ غَرَّهُ.

وَكُلُّ إقْرَارٍ كَذَبَ فِيهِ لِيَحْصُلَ بِمَا يُمْكِنُ أَسَاءَهُ وَيُجْعَلُ أُنْسًا مِثْلُ أَنْ يَقُولُ: وَكَّلْت فُلَانًا وَلَمْ تُوَكِّلْهُ فَهُوَ نَظِيرُ أَنْ يَجْحَدَ الْوَصِيَّةَ، فَهَلْ يَكُونُ جَحْدُهُ رُجُوعًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>