للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الْأَرْشُ فَيَجُوزُ إجَارَةُ مَا قَنَاهُ مُدَّةً وَمَا قَابَضَ تَرْكُهُ رَامَاهُ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الشَّجَرِ لِأَخْذِ ثَمَرِهِ وَالسَّمْعِ لِيَشْغَلَهُ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا إذَا أَجَّرَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَمِثْلُهُ وَكُلَّمَا أَعْتَقْت عَبْدًا مِنْ عَبِيدِك فَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْعَدَدَ وَالثَّمَنَ

وَيَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ.

وَيَقُومُ الْمُسْتَأْجِرُ الثَّانِي مَقَامَ الْمَالِكِ فِي اسْتِيفَاءِ الْأُجْرَةِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ، وَغَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَأَفْتَى فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هَذَا كَبَيْعِ الْمَبِيعِ، وَأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ تَصَرُّفٌ فِيمَا اسْتَحَقَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ:

وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ: إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ حَتَّى حَدَّثَ بَعْضُ أَهْلِ زَمَانِنَا فَابْتَدَعَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ وَزِيَادَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ لَا يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ إلَّا بِنَفْسِهِ أَوْ أَنْ لَا يُؤَجِّرَهَا إلَّا لِعَدْلٍ أَوْ لَا يُؤَجِّرَهَا مِنْ زَيْدٍ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ:

فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ فِيمَا أَرَاهُ أَنَّهَا شُرُوطٌ صَحِيحَةٌ، لَكِنْ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الِاسْتِيفَاءُ بِنَفْسِهِ لِمَرَضٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ إرَادَةِ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ الْفَسْخُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ، وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى السُّكْنَى فِي بَيْتِ إنْسَانٍ لَا يَجِدُ سِوَاهُ، أَوْ النُّزُولِ فِي خَانٍ مَمْلُوكٍ أَوْ رَحًا لِلطَّحْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَافِعِ وَجَبَ بَدَلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِلَا نِزَاعٍ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ بَدَلُهُ مُحَابَاةً ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَنَحْوِهِمَا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَهُوَ وَجْهٌ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِهْدَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّ الْقَارِئَ إذَا قَرَأَ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ، فَأَيُّ شَيْءٍ يُهْدَى إلَى الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى مُجَرَّدِ التِّلَاوَةِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَلَا بَأْسَ بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>