وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ لِيَحُجَّ لَا أَنْ يَحُجَّ لِيَأْخُذَ فَمَنْ أَحَبَّ إبْرَارَ الْمَيِّتِ بِرُؤْيَةِ الْمَشَاعِرِ يَأْخُذُ لِيَحُجَّ وَمِثْلُهُ كُلُّ رِزْقٍ أُخِذَ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ فَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَقْصِدُ الدِّينَ وَالدُّنْيَا وَسِيلَتَهُ وَعَكْسِهِ، فَالْأَشْبَهُ أَنَّ عَكْسَهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ، وَالْأَعْمَالُ الَّتِي يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ هَلْ يَجُوزُ إيقَاعُهَا غَيْرَ وَجْهِ الْقُرْبَةِ.
فَمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَمْ يُجِزْ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بِالْعِوَضِ تَقَعُ غَيْرَ قُرْبَةٍ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، وَمِنْ جَوَّزَ الْإِجَارَةَ جَوَّزَ إيقَاعَهَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَقَالَ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ نَفْعِ الْمُسْتَأْجِرِ.
وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَيْسَ عِوَضًا وَأُجْرَةً بَلْ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ لِلَّهِ أُثِيبَ وَمَا يَأْخُذُهُ رِزْقٌ لِلْإِعَانَةِ عَلَى الطَّاعَةِ. وَكَذَلِكَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمَنْذُورُ كَذَلِكَ لَيْسَ كَالْأُجْرَةِ.
وَالْجُعَلُ فِي الْإِجَارَةِ إلَى مَا لَهُ الِاخْتِصَاصُ، فَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ جُنْدِيٍّ ثُمَّ غَرَسَهَا قَضْبًا وَانْتَقَلَ الْإِقْطَاعُ إلَى آخَرَ فَالْجُنْدِيُّ الثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْأُولَى وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِمَنْ لَهُ فِيهَا الْقَضْبُ وَكَذَا لِغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَقُومُ ذَلِكَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ بِالْأَشْهُرِ فَاَلَّذِي وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ فَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الشَّهْرُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِنْبَاتُ بِالْعَدَدِ، وَبَاقِي الشُّهُورِ بِالْأَهِلَّةِ.
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ بِحَسَبِ تَمَامِهِ وَنُقْصَانِهِ، فَإِنْ كَانَ تَامًّا كُمِّلَ تَامًّا، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا كُمِّلَ نَاقِصًا، فَإِذَا وَقَعَ أَوَّلَ الْمُدَّةِ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ مَثَلًا كُمِّلَ ذَلِكَ الشَّهْرُ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ الثَّانِي إنْ كَانَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ نَاقِصًا وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطْلِقَ فِي الْإِجَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، بَلْ الْعُرْفُ كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا.
وَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ النَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَأَفْتَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ إجَارَتَهُ كَإِجَارَةِ النَّاظِرَ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَحْمَدَ أَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَتَنْفَسِخُ إجَارَةُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ إذَا انْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute