للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَصِنَاعَةُ التَّنْجِيمِ وَأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا وَبَذْلُهَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَالْقِيَامُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَإِذَا رَكِبَ الْمُؤَجِّرُ إلَى شَخْصٍ لِيُؤَجِّرَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ سَاكِنًا فِي الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى سَاكِنِ الدَّارِ، وَإِذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ لِأَجْلِ زِيَادَةٍ حَصَلَتْ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ.

وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَتَقْبَلُ الزِّيَادَةُ أَوْ أَقَلُّ فَلَا تَقْبَلُ فَهُوَ قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا فِي الْوَقْفِ وَلَا فِي غَيْرِهِ، وَلَوْ الْتَزَمَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَمْ تَلْزَمْهُ اتِّفَاقًا، وَلَوْ الْتَزَمَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فِي لُزُومِهَا لَهُ قَوْلَانِ.

فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ لَا تَلْزَمُهُ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إلْحَاقَ الزِّيَادَةِ وَالشُّرُوطِ بِالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ لَا يَصِحُّ، وَتَلْزَمُهُ إذَا فَعَلَهَا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ تَلْحَقُ الزِّيَادَةُ بِالْعُقُودِ اللَّازِمَةِ.

لَكِنْ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ لَمْ تَجْرِ بِأَنَّ أَحَدَ هَؤُلَاءِ يُلْحِقُهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ خَوْفًا مِنْ الْإِخْرَاجِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَلْزَمُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ لَهُمْ اسْتِرْجَاعُهَا مِمَّنْ قَبَضَهَا مِنْهُمْ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لَيْسَتْ شَيْئًا مَحْدُودًا.

وَإِنَّمَا هِيَ مَا تُسَاوِي الشَّيْءَ فِي نُفُوسِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَحْدُثُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ ارْتِفَاعِ الْكِرَاءِ أَوْ انْخِفَاضِهِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ تُفَّاحَةً يُحْتَمَلُ الْجَوَازُ وَيَجُوزُ إجَارَةُ الْمُقَصَّبَةِ لِيَقُومَ عَلَيْهَا الْمُسْتَأْجِرُ وَيَسْقِيَهَا فَتَنْبُتُ الْعُرُوقُ الَّتِي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَسْقِي الْأَرْضَ لِيَنْبُتَ فِيهَا الْكَلَأُ بِلَا بَذْرٍ، وَإِذَا عَمِلَ الْأَجِيرُ بَعْضَ الْعَمَلِ أُعْطِي مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ، وَإِذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ يَلْزَمْ وَرَثَتَهُ تَعْجِيلُ الْأُجْرَةِ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ.

وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ بِالْمَوْتِ ظَاهِرٌ وَكَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِحُلُولِهِ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِمْ إذْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُفَرِّقُونَ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ إذَا بِيعَتْ أَوْ وُرِثَتْ فَإِنَّ الْحَكْرَ يَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْوَارِثِ وَلَيْسَ لِأَصْحَابِ الْحَكْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>