وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي الَّذِي حَبَسَ فَرَسًا عَلَيْهَا حِلْيَةٌ مُحَرَّمَةٌ. أَنَّ الْحِلْيَةَ تُبَاعُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِجَوَازِ وَقْفِ مِثْلِ هَذَا وَلَوْ وَقَفَ مَنْفَعَةً يَمْلِكُهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، أَوْ مَنْفَعَةَ أُمِّ وَلَدِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ مَنْفَعَةً بِعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَعِنْدِي هَذَا لَيْسَ فِيهِ فِقْهٌ، فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْفِ هَذَا وَوَقْفِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَقْفِ ثَوْبٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ يَلْبَسُونَهُ أَوْ فَرَسٍ يَرْكَبُونَهُ أَوْ رَيْحَانٍ يَشُمُّهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ، وَطِيبُ الْكَعْبَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ كُسْوَتِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ الطِّيبَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ، لَكِنْ قَدْ يَطُولُ بَقَاءُ مُدَّةِ التَّطَيُّبِ وَقَدْ يُقْصَدُ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ.
وَيَصِحُّ وَقْفُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَأَقْرَبُ الْحُدُودِ فِي الْوُقُوفِ أَنَّهُ كُلُّ عَيْنٍ تَجُوزُ عَارِيَّتُهَا قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَبْدٍ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يَسْرِ إلَى بَقِيَّةٍ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا وَقَفَهُ مِنْهُ أَوْ أَعْتَقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ وَلَمْ يَسْرِ، وَإِنْ أَعْتَقَ مَا وَقَفَهُ مِنْهُ أَوْ أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ فَقَدْ صَحَّ عِتْقُ نَفْسِهِ وَلَمْ يَسْرِ إلَى الْمَوْقُوفِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا ضَعِيفٌ وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ الْمَجْهُولِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْمَجْهُولُ نَوْعَانِ مُبْهَمٌ وَمُعَيَّنٌ مِثْلُ دَارٍ لَمْ يَرَهَا فَمَنْعُ هَذَا بَعِيدٌ، وَكَذَلِكَ هِبَتُهُ فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمُبْهَمِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْوَصِيَّةِ لَهُ، وَفِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ مِثْلُ أَنْ يُوصِيَ لِأَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِجَارِهِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ جَارَانِ بِهَذَا الِاسْمِ، وَوَقْفُ الْمُبْهَمِ مُفَرَّعٌ عَلَى هِبَتِهِ وَبَيْعِهِ وَلَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا مَنْعٌ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أُمِّ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهَا عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ يَكُونَ الرُّبْعُ لَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ صَحَّ، فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ الْغَلَّةِ لِأُمِّ وَلَدِهِ كَاسْتِثْنَائِهَا لِنَفْسِهِ وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، فَيَنْبَغِي فِي الْحَالِ أَنَّا إذَا صَحَّحْنَا وَقْفَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ صَحَّ لِأَنَّ مِلْكَ أُمِّ وَلَدِهِ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهُ، فَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَالْوَقْفِ عَلَى الْعَبْدِ الْقِنِّ فَإِنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِعَبْدِ الْغَيْرِ.
وَأَمَّا إذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَقَدْ تَخْرُجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ يَعُمُّ حَالَ رَقِّهَا وَعِتْقِهَا فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْحَالَيْنِ خَرَجَ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى وَجْهَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute