للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا قَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ وَيَرْجِعُ الْأَبُ فِيمَا أَبْرَأَ مِنْهُ ابْنَهُ مِنْ الدُّيُونِ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ كَمَا لِلْمَرْأَةِ عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ الرُّجُوعُ عَلَى زَوْجِهَا فِيمَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَيَمْلِكُ الْأَبُ إسْقَاطَ دَيْنِ الِابْنِ عَنْ نَفْسِهِ.

وَلَوْ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَى طَرَفِهِ لَزِمَتْهُ دِيَتُهُ وَإِذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ بِحَيْثُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الَّذِي كَانَ مَالِكَهُ مِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ صَدَاقَهَا فَتَطْلُقَ أَوْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ ثُمَّ تُرَدُّ السِّلْعَةُ بِعَيْبٍ أَوْ يَأْخُذَ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُفْلِسُ الْوَلَدُ بِالثَّمَنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْأَقْوَى فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ كَالرَّهْنِ وَالْفَلَسِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ رَغْبَةٌ كَالْمُدَايَنَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَقُلْنَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فَفِي التَّمْلِيكِ نَظَرٌ.

وَلَيْسَ لِلْأَبِ الْكَافِرِ تَمَلُّكُ مَالِ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ إذَا كَانَ وَهَبَهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَأَسْلَمَ الْوَلَدُ فَأَمَّا إذَا وَهَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِ الْوَلَدِ فَفِيهِ نَظَرٌ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَأَمَّا الْأَبُ وَالْأُمُّ الْكَافِرَةُ فَهَلْ لَهُمَا أَنْ يَتَمَلَّكَا مَالَ الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ يَرْجِعَا فِي الْهِبَةِ يُتَوَجَّهُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ وَجْهَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بَلْ يُقَالُ: إنْ قُلْنَا: لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ فَالتَّمَلُّك أَبْعَدُ وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ النَّفَقَةُ فَالْأَشْبَهُ لَيْسَ لَهُمَا التَّمَلُّكُ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا فَإِنَّ أَحْمَدَ عَلَّلَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ وَبِأَنَّ الْأَبَ يَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَمَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ لَا يَجُوزُ وَالْأَشْبَهُ فِي زَكَاةِ دَيْنِ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ التَّاوِي كَالضَّالِّ فَيَخْرُجُ فِيهِ مَا خَرَجَ فِي ذَلِكَ وَهَلْ يَمْنَعُ دَيْنُ الْأَبِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَدَقَةَ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةَ الْمَالِيَّةَ وَشِرَاءَهُ الْعَتِيقَ. يَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إسْقَاطِهِ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَمْنَعَ لِأَنَّ وَفَاءَهُ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لَهُ وَلِوَلَدِهِ وَعُقُوبَةُ الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ لَا يُعَاقِبُ عَلَى الدَّمِ وَالْعِرْضِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِمَا حَبْسٌ وَلَا ضَرْبٌ لِلِامْتِنَاعِ مِنْ الْأَدَاءِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» يَقْتَضِي إبَاحَةَ نَفْسِهِ كَإِبَاحَةِ مَالِهِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: ٢٥] .

وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِخْدَامِهِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ خِدْمَةُ أَبِيهِ وَيُقَوِّيه

<<  <  ج: ص:  >  >>