أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ إنْ شَاءَ زَيْدٌ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ لَهَا إذْ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ تَعُودَ الْمَشِيئَةُ إلَيْهِمَا إمَّا جَمِيعًا وَإِمَّا مُطْلَقًا بِحَيْثُ لَوْ شَاءَ أَحَدُهُمَا وَقَعَ مَا شَاءَ وَكَذَلِكَ نَظِيرُهَا فِي الْخُلْعِ أَنْتُمَا طَالِقَانِ وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ فَكُنْ إنْ شَاءَ اللَّهُ الْجَمِيعَ فَيَنْتَفِي الشَّرْطُ وَلَمْ يَفْعَلْ جَمِيعَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَيَحْنَثَ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ فَقَدْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصِفَةٍ هِيَ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ فَمَتَى لَمْ يَشَأْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْمَشِيئَةِ مِنْ جِهَتِهِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَفُوتَ الْمَشِيئَةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ نِيَّةٌ أَوْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي الْفَوْرِيَّةَ وَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ قَصَدَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَثْبِيتًا لِذَلِكَ وَتَأْكِيدًا لِإِيقَاعِهِ وَقَعَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقَعُ مُطْلَقًا وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّوَابُ وَتَعْلِيقٌ إنْ كَانَ تَعْلِيقًا مَحْضًا لَيْسَ فِيهِ تَحْقِيقُ خَبَرٍ وَلَا حَضٍّ عَلَى فِعْلٍ كَقَوْلِهِ إنْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَهَذَا يُفِيدُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءَ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا هَلْ هَذَا يَمِينٌ أَمْ لَا؟ .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ تَوْقِيتُهُ بِحَادِثٍ يَتَعَلَّقُ بِالطَّلَاقِ مَعَهُ غَرَضٌ كَقَوْلِهِ إنْ مَاتَ أَبَاك فَأَنْتَ طَالِقٌ أَوْ إنْ مَاتَ أَبِي هَذَا فَأَنْتَ طَالِقٌ وَنَحْوُ هَذَا.
وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ، وَالطَّلَاقُ فَرْعُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ الشَّرْطُ خَبَرًا عَنْ مُسْتَقْبَلٍ لَا طَلَبًا كَقَوْلِهِ لَيَقْدَمَنَّ الْحَاجُّ أَوْ السُّلْطَانُ فَهُوَ كَالْيَمِينِ يَنْفَعُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ أَمْرًا عَدَمِيًّا كَقَوْلِهِ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَأَنْتَ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالثُّبُوتِ كَمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَيُفِيدُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي النَّذْرِ كَمَا فِي لَأَتَصَدَّقَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَيُفِيدُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْحَرَامِ وَالظِّهَارِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِيهِمَا.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ النَّافِعِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: لَا يَنْفَعُهُ حَتَّى يَنْوِيَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَمَنْ تَبِعَهُ.
وَالثَّانِي: يَنْفَعُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ حَتَّى لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute