فَخَالَفَهُ إذَا قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا إلْزَامَهُ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْأَمْرِ إذَا فَهِمَ مِنْهُ الْإِكْرَامَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ بِالْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ وَلَمْ يَقِفْ.
وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُخَالَفَةِ فِي الذَّاتِ وَالْمُخَالَفَةِ فِي الصِّفَاتِ كَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَفَسَادِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَأَدْخَلَ بَعْضَ جَسَدِهِ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ تَحْرِيمَ الْبُقْعَةِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَحْنَثُ بِإِدْخَالِ بَعْضِ جَسَدِهِ إلَى بَعْضِهَا لِمُبَاشَرَتِهِ بَعْضَ الْمُحَرَّمِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ الْتِزَامَهُ بُقْعَةً فَإِذَا أَخْرَجَ بَعْضَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي الْمُعْتَكِفِ وَلَوْ حَلَفَ لَا آكُلُ الرِّبَا، وَلَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَلَا أَزْنِي فَشَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ أَوْ أَقْرَضَ قَرْضًا جَرَّ مَنْفَعَةً أَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَيَحْنَثُ عِنْدَنَا إنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِقَادٌ وَحَدَدْنَاهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ حِلَّهُ أَوْ لَمْ نُحِدَّهُ فَفِي تَحْنِيثِهِ تَرَدُّدٌ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يُسَوَّغُ فِيهِ الْخِلَافُ كَالْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ وَكَمَسْأَلَةِ النَّبِيذِ وَلَوْ حَلَفَ لَا أُشَارِكُ فُلَانًا فَفَسَخَا الشَّرِكَةَ وَبَقِيَتْ بَيْنَهُمَا دُيُونٌ مُشْتَرَكَةٌ أَوْ أَعْيَانٌ.
قَالَ: أَفْتَيْت أَنَّ الْيَمِينَ تَنْحَلُّ بِانْفِسَاخِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ وَرْدًا وَلَا بَنَفْسَجًا فَشَمَّ دُهْنَهُمَا أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ حَنِثَ وَقَالَ الْقَاضِي لَا يَحْنَثُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يَحْنَثَ بِالْمَاءِ دُونَ الدُّهْنِ وَكَذَلِكَ مَاءُ اللِّبَانِ وَالنَّيْلُوفَرِ لِأَنَّ الْمَاءَ هُوَ الْحَامِلُ لِرَائِحَةِ الْوَرْدِ وَرَائِحَتَهُ فِيهِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى الْوَرْدِ وَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الرَّائِحَةُ كَثِيرًا وَفِي دُخُولِ الْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ فِي مُطْلَقِ الْحَلِفِ عَلَى الْفَاكِهَةِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ اسْتَثْنَى أَبُو مُحَمَّدٍ بَعْضَ ثَمَرِ الشَّجَرِ كَالزَّيْتُونِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا أَوْصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا فَهِيَ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ وَكَذَلِكَ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى عَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى الْجِنْسِ فَهِيَ أَقْوَى مِنْ الْمُعَارَةِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْجِنْسِ، وَلَا يَدْخُلُ الْعَقِيقُ وَالسُّبَحُ فِي مُطْلَقِ الْحَلِفِ عَلَى لُبْسِ الْحُلِيِّ إلَّا مِمَّنْ عَادَتُهُ التَّحَلِّي بِهِ وَإِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ ثُمَّ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُزَوِّجُكَهَا أَوْ مَا بَقِيت أُزَوِّجُكَهَا فَهُنَا التَّزْوِيجُ اسْمٌ لِلتَّسْلِيمِ الَّذِي هُوَ الدُّخُولُ. وَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا حِينًا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقْتَضِي أَصْلًا وَهُوَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَهُ حَدٌّ فِي الْعُرْفِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَزْدَدْ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute