الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ الرِّوَايَةُ عَنْ مِثْلِ عُمَرَ وَابْنِ عُبَيْدٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يُتْرَكْ عَنْ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِدُعَاةٍ وَعَلَى هَذَا الْمَأْخَذِ فَقَتْلُهُمْ مِنْ بَابِ قَتْلِ الْمُفْسِدِينَ الْمُحَارِبِينَ لِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ بِاللِّسَانِ كَالْمُحَارَبَةِ بِالْيَدِ وَيُشْبِهُ قَتْلَ الْمُحَارَبِينَ لِلسُّنَّةِ بِالرَّأْيِ قَتْلَ الْمُحَارِبِينَ لَهَا بِالرِّوَايَةِ وَهُوَ قَتْلُ مَنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَتَلَ النَّبِيُّ
الَّذِي كَذَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَغْيِيرِ سُنَّتِهِ.
وَقَدْ قَرَّرَ أَبُو الْعَبَّاسِ هَذَا مَعَ نَظَائِرَ لَهُ فِي " الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ " كَقَتْلِ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لِحُرَمِهِ أَوْ يَسُبُّهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ
بِقَتْلِ الْمُفَرِّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ الْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ الَّذِي يُخْبِرُ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْهُ الَّذِي يَكْذِبُ بِلِسَانِهِ أَوْ بِخَطِّهِ أَوْ يَأْمُرُ بِذَلِكَ حَتَّى يَقْتُلَ بِهِ أَعْيَانَ الْأُمَّةِ عُلَمَاءَهَا وَأُمَرَاءَهَا فَتَحْصُلُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْفَسَادِ كَثِيرَةٌ فَهَذَا مَتَى لَمْ يَنْدَفِعْ فَسَادُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا رَيْبَ فِي قَتْلِهِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَنْدَفِعَ وَجَازَ أَنْ لَا يَنْدَفِعَ قُتِلَ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا جَاءَ قَوْله تَعَالَى {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} [المائدة: ٣٢] وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: ٣٣] وَأَمَّا إنْ انْدَفَعَ الْفَسَادُ الْأَكْبَرُ بِقَتْلِهِ لَكِنْ قَدْ بَقِيَ فَسَادٌ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَأَفْتَيْت أَمِيرًا مُقَدَّمًا عَلَى عَسْكَرٍ كَبِيرٍ فِي الْحَرْبِيَّةِ إذْ نَهَبُوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَنْزَجِرُوا إلَّا بِالْقَتْلِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ يَكُفُّونَ بِقَتْلِهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ عَشَرَةٌ إذْ هُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ قَالَ وَأَمَّرَ أَمِيرًا خَرَجَ لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ الثَّائِرَةِ بَيْنَ قَيْسِ يَمَنَ وَقَدْ قُتِلَ بَيْنَهُمْ أَلْفَانِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ يَحْصُلُ بِقَتْلِهِ كَفُّ الْفِتْنَةِ وَلَوْ أَنَّهُمْ مِائَةٌ.
قَالَ: وَأَفْتَيْت وُلَاةَ الْأُمُورِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ بِقَتْلِ مَنْ أُمْسِكَ فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ سَكْرَانُ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ مَعَ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهُوَ مُجْتَازٌ بِشُقَّةِ لَحْمٍ يَذْهَبُ بِهَا إلَى نُدَمَائِهِ وَكُنْت أَفْتَيْتُهُمْ قَبْلَ هَذَا بِأَنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَتَيْنِ: عُقُوبَةً عَلَى الشُّرْبِ وَعُقُوبَةً عَلَى الْفِطْرِ فَقَالُوا مَا مِقْدَارُ التَّعْزِيرِ فَقُلْت هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الذَّنْبِ وَحَالِ الْمُذْنِبِ وَحَالِ النَّاسِ.
وَتَوَقَّفْت عَنْ الْقَتْلِ فَكَبُرَ هَذَا عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالنَّاسِ حَتَّى خِفْت أَنَّهُ إنْ لَمْ يُقْتَلْ يَنْحَلُّ نِظَامُ الْإِسْلَامِ عَلَى انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَأَفْتَيْت بِقَتْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute