للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ وَرِعًا. وَالْحَاكِمُ فِيهِ صِفَاتٌ ثَلَاثٌ فَمِنْ جِهَةِ الْإِثْبَاتِ هُوَ شَاهِدٌ وَمِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُوَ صِفَةٌ وَمِنْ جِهَةِ الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ هُوَ ذُو سُلْطَانٍ وَأَقَلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صِفَاتُ الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَحْكُمَ بِعَدْلٍ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِفْتَاءُ إلَّا مِمَّنْ يُفْتِي بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ وَشُرُوطُ الْقَضَاءِ تُعْتَبَرُ حَسَبَ الْإِمْكَانِ وَيَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَيُوَلِّي لِعَدَمِهِ أَنْفَعَ الْفَاسِقِينَ وَأَقَلَّهُمَا شَرًّا وَأَعْدَلَ الْمُقَلَّدِينَ وَأَعْرَفَهُمَا بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَوْرَعَ قُدِّمَ فِيمَا قَدْ يَظْهَرُ حُكْمُهُ وَيُخَافُ الْهَوَى فِيهِ الْأَوْرَعُ وَفِيمَا نَدَرَ حُكْمُهُ وَيُخَافُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ الْأَعْلَمُ.

وَأَكْثَرُ مَنْ يُمَيِّزُ فِي الْعِلْمِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِينَ إذَا نَظَرَ وَتَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الْفَرِيقَيْنِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ وَنَظَرٍ تَامٍّ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا لَكِنْ قَدْ لَا يَثِقُ بِنَظَرِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَا يَعْرِفُ جَوَابَهُ فَالْوَاجِبُ عَلَى مِثْلِ هَذَا مُوَافَقَتُهُ لِلْقَوْلِ الَّذِي تَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِلَا دَعْوَى مِنْهُ لِلِاجْتِهَادِ كَالْمُجْتَهِدِ فِي أَعْيَانِ الْمُفْتِينَ وَالْأَئِمَّةِ إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا قَلَّدَهُ وَالدَّلِيلُ الْخَاصُّ الَّذِي يُرَجَّحُ بِهِ قَوْلٌ عَلَى قَوْلٍ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مِنْ دَلِيلٍ عَامٍّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ وَعِلْمُ النَّاسِ بِتَرْجِيحِ قَوْلٍ عَلَى قَوْلٍ أَيْسَرُ مِنْ عِلْمِ أَحَدِهِمْ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَمُ وَأَدْيَنُ لِأَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ وَيَجِبُ أَنْ يُنَصِّبَ عَلَى الْحُكْمِ دَلِيلًا وَأَدِلَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَتَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ فِيهَا وَإِلَى الْيَوْمِ بِقَصْدٍ حَسَنٍ بِخِلَافِ الْإِمَامِيَّةِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: النَّبِيهُ الَّذِي سَمِعَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ وَأَدَاءَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ وَعِنْدَهُ مَا يُعْرَفُ بِهِ رُجْحَانُ الْقَوْلِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ أَنْ يَبْتَدِئَ النَّاسَ بِقَهْرِهِمْ عَلَى تَرْكِ مَا يَشْرَعُ وَإِلْزَامِهِمْ بِرَأْيِهِ اتِّفَاقًا وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ وَأَفْضَى إلَى التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ وَفِي لُزُومِ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ وَامْتِنَاعِ الِانْتِقَالِ إلَى غَيْرِهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَفِي الْقَوْلِ بِلُزُومِ طَاعَةِ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَجَوَازُهُ فِيهِ مَا فِيهِ.

وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إمَامٍ بِعَيْنِهِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِنْ قَالَ يَنْبَغِي كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا وَمَنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِإِمَامٍ فَخَالَفَهُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ لِقُوَّةِ الدَّلِيلِ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا أَعْلَمَ وَأَتْقَى فَقَدْ أَحْسَنَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>