قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي الْخَطَّابِ وَلَا فَرْقَ إلَّا فِي تَسْمِيَتِهِ ضَمَانَهُمَا نَقْضًا وَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ لَكِنْ أَبُو الْخَطَّابِ يَقُولُهُ فِي الْفَاسِقِ وَغَيْرِ الْفَاسِقِ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَتَوَجَّهُ عَلَى أَصْلِنَا إذَا قُلْنَا: الْجَرْحُ الْمُطْلَقُ لَا يَنْقُضُ وَكَانَ جَرْحُ الْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ اجْتِهَادٌ فَلَا يُنْتَقَضُ بِهِ اجْتِهَادٌ وَرِوَايَةُ عَدَمِ النَّقْضِ أَخَذَهَا الْقَاضِي مِنْ رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ عَنْ أَحْمَدَ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدَا هَهُنَا أَنَّهُمَا دَفَنَا فُلَانًا بِالْبَصْرَةِ فَقُسِمَ مِيرَاثُهُ ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ جَاءَ بَعْدُ وَقَدْ تَلِفَ مَالُهُ قَدْ بَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى زُورٍ أَيُضَمِّنُهُمَا مَالَهُ قَالَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَنْقُضْ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَرِّمْ الْوَرَثَةَ قِيمَةَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ الْمَالِ بَلْ أَغْرَمَ الشَّاهِدَيْنِ وَلَوْ نَقَضَهُ لَأَغْرَمَ الْوَرَثَةَ وَرَجَعُوا بِذَلِكَ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ فَيَكُونُ قَوْلُهُ يُضَمِّنُهُمَا يَعْنِي الْوَرَثَةَ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: النَّقْضُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنَّ تَبَيُّنَ كَذِبِ الشَّاهِدِ غَيْرُ تَبَيُّنِ فِسْقِهِ فَقَوْلُ أَحْمَدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَانًا فِي الْجُمْلَةِ كَسَائِرِ الْمُتَسَبِّبِينَ أَوْ يَكُونَ اسْتِقْرَارًا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ النُّصُوصِ مِنْ أَنَّ الْمَعْذُورَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ زَكَّى الشُّهُودَ ثُمَّ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ ضَمِنَ الْمُزَكُّونَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوِلَايَةِ لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يُوَلِّيَ قَاضِيًا أَوْ وَالِيًا لَا يَعْرِفُهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَزَكَّاهُ أَقْوَامٌ وَوَصَفُوهُ بِمَا يَصْلُحُ مَعَهُ لِلْوِلَايَةِ ثُمَّ رَجَعُوا أَوْ ظَهَرَ بُطْلَانُ تَزْكِيَتِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنُوا مَا أَفْسَدَهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَشَارُوا عَلَيْهِ وَأَمَرُوا بِوِلَايَتِهِ لَكِنَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِي ضَمَانِهِ مَنْ تُعْهَدُ الْمَعْصِيَةُ مِنْهُ مِثْلُ الْخِيَانَةِ أَوْ الْعَجْزِ وَيُخْبِرُ عَنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَوْ يَأْمُرُ بِوِلَايَتِهِ أَوْ يَكُونُ لَا يَعْلَمُ وَيُزَكِّيه أَوْ يُشِيرُ لَهُ فَأَمَّا إنْ اعْتَقَدَ صَلَاحَهُ وَأَخْطَأَ فَهَذَا مَعْذُورٌ وَالسَّبَبُ لَيْسَ مُحَرَّمًا وَعَلَى هَذَا فَالْمُزَكِّي لِلْعَامِلِ مِنْ الْمُقْتَرِضِ وَالْمُشْتَرِي وَالْوَكِيلِ كَذَلِكَ.
وَإِخْبَارُ الْحَاكِمِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ إخْبَارِهِ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ أَمَّا إنْ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ: " ثَبَتَ عِنْدِي " الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَالْعَدَالَةَ وَالْإِقْرَارَ وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: شَهِدَ عِنْدِي أَوْ أَقَرَّ عِنْدِي فَإِنَّمَا يَقْتَضِي الدَّعْوَى وَخَبَرُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَخَبَرِهِ فِي غَيْرِهِ زَمَنَ وِلَايَتِهِ وَنَظِيرُ إخْبَارِ الْقَاضِي بَعْدَ قَوْلِهِ إخْبَارُ أَمِيرِ الْغَزْوِ أَوْ الْجِهَادِ بَعْدَ عَزْلِهِ بِمَا فَعَلَهُ.
وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ حَقٌّ وَمَنَعَهُ إيَّاهُ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute