للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّةَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ قَائِلٌ يَقُولُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعُ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَقَائِلٌ يَقُولُ لَا حَقَّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ فِي وَقْتَيْنِ أَوْ حَاكِمَانِ بِاسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْبَعْضِ لَكَانَ قَدْ حَكَمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا قَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ قُضَاةِ زَمَانِنَا لَكِنْ هُوَ ظَنِينٌ فِي عِلْمِهِ وَدِينِهِ بَلْ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ الْقَضَاءَ وَيُشْبِهُ هَذَا طَبَقَاتُ الْوَقْفِ أَوْ أَزْمِنَةُ الطَّبَقَةِ فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ مُسْتَحِقٌّ لِهَذَا الْمَكَانِ مِنْ الْوَقْفِ وَمُسْتَحِقٌّ السَّاعَةَ بِمُقْتَضَى شَرْطٍ شَامِلٍ لِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ فَهُوَ كَالْمِيرَاثِ.

وَأَمَّا إنْ حَكَمَ بِاسْتِحْقَاقِ تِلْكَ الطَّبَقَةِ فَهَلْ يَحْكُمُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إذَا اقْتَضَى الشَّرْطَ لَهُمَا، وَأَخْذُ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ تَلَقِّيَ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ الْوَاقِفِ فِي زَمَنِ حُدُوثِهَا شَبِيهٌ بِمَا لَوْ مَاتَ عَتِيقُ شَخْصٍ فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِمِيرَاثِهِ الْمَالَ وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ تَسْتَحِقُّ مَا حَدَثَ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يَسْتَحِقُّ مَا حَدَثَ لَهَا مِنْ الْوَقْفِ عِنْدَ وُجُودِهَا مَعَ أَنَّ كُلَّ عَصَبَةٍ تَسْتَحِقُّ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِينَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ وَالْأَشْبَهُ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ مَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ فِي عَتِيقٍ بِأَنَّ مِيرَاثَهُ لِلْأَكْبَرِ ثُمَّ تُوُفِّيَ ابْنُ ذَلِكَ الْعَتِيقِ الَّذِي كَانَ مَحْجُوبًا عَنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ فَهَلْ لِحَاكِمٍ آخَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِمِيرَاثِهِ لِغَيْرِ الْأَكْبَرِ هَذَا يُتَوَجَّهُ هُنَا وَفِي الْوَقْفِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَقَعُ مُشْتَرَكًا فِي الزَّمَانِ.

نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْكَافِي عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ أَنَّ الشُّهُودَ إذَا بَانُوا بَعْدَ الْحُكْمِ كَافِرِينَ أَوْ فَاسِقِينَ وَكَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ إتْلَافًا فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ دُونَ الْمُزَكِّينَ، وَالْحَاكِمُ قَالَ لِأَنَّهُمْ فَوَّتُوا الْحَقَّ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ بِشَهَادَتِهِمْ الْبَاطِلَةِ

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: هَذَا يُبْنَى عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ الصَّادِقَ إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ مُتَّهَمًا بِحَيْثُ لَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إنْ جَازَ لَهُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ بَطَلَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ كَانَ مُتَوَجِّهًا لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ حِينَئِذٍ فِعْلُ مُحَرَّمٍ وَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ كَالْقَاذِفِ الصَّادِقِ.

وَإِذَا جَوَّزْنَا لِلْفَاسِقِ أَنْ يَشْهَدَ جَوَّزْنَا لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَيَكْتُمَ فِسْقَهُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا فَلَوْ امْتَنَعَ الشَّاهِدُ الصَّادِقُ الْعَدْلُ أَنْ يُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ إلَّا بِجُعْلٍ هَلْ يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ الْجُعْلَ إنْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِسْقًا فَعَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَنْهُ لَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ وَيَغْرَمُ الشَّاهِدَانِ الْمَالَ لِأَنَّهُمَا سَبَبُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةٍ ظَاهِرُهَا اللُّزُومُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>