للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجْنُونٍ أَوْ غَائِبٍ وَالثَّانِيَةَ عَلَى مَا إذَا ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ.

وَحَمَلَ أَبُو الْعَبَّاسِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى عَلَى أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ

مَصْلَحَةً

لِظُهُورِ رِيبَةٍ فِي الشُّهُودِ لِأَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقًا، وَالثَّانِيَةَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، كَمَا قُلْنَا فِي تَفْرِيقِ الشُّهُودِ بَيْنَ أَيْنَ وَحَتَّى وَكَيْفَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ الرِّيبَةِ وَلَا يَجِبُ فِعْلُهُ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ، وَكَذَلِكَ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ.

اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَا يَرَى الْمَحْكُومُ لَهُ تَحْرِيمَهُ فَهَلْ يُبَاحُ بِالْحُكْمِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْإِمَامِ مَا يَرَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ فَعَلَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ لَكِنْ لَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَهُ أَوْ ابْتَدَأَ الْإِمَامُ بِحُكْمِهِ أَوْ قَسْمِهِ فَهُنَا يُتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِالْحِلِّ قَالَ أَصْحَابُنَا، وَلَا يَنْقُضُ الْحَاكِمُ حُكْمَ نَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا.

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: يُفَرَّقُ فِي هَذَا بِمَا إذَا اسْتَوْفَى الْمَحْكُومُ لَهُ الْحَقَّ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ مِنْ مَالٍ أَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَإِنْ اسْتَوْفَى فَلَا كَلَامَ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي نَقْضُ حُكْمِ نَفْسِهِ وَالْإِشَارَةُ عَلَى غَيْرِهِ بِالنَّقْضِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ فِيمَا لَهُ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ فِيمَا عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ إذَا كَانَ جَارًا اسْتَحَقَّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ وَإِذَا كَانَ مُشْتَرِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شُفْعَةُ الْجِوَارِ وَالْقَضِيَّةُ الْوَاحِدَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى أَشْخَاصٍ أَوْ أَعْيَانٍ فَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى شَخْصٍ أَوْ لَهُ بِخِلَافِ مَا حَكَمَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِشَخْصٍ آخَرَ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ عَيَّنَ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ فِي مَسْأَلَةِ الْحِمَارِيَّةِ بَعْضَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فَيَقْضِي لَهُ بِالتَّشْرِيكِ ثُمَّ يُدَّعَى عِنْدَهُ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِنَفْيِ التَّشْرِيكِ أَوْ يَكُونَ حَاكِمٌ غَيْرُهُ قَدْ حَكَمَ بِنَفْيِ التَّشْرِيكِ لِشَخْصٍ أَوْ عَلَيْهِ فَيَحْكُمُ هُوَ بِخِلَافِهِ فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الْحُكْمَ عَلَيْهِ حُكْمٌ عَلَيْهِ وَلَهُ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ هُنَاكَ يُتَوَجَّهُ أَنْ يَبْقَى حَقُّ الْغَائِبِ فِيمَا طَرِيقُهُ الثُّبُوتُ لِتَمْلِيكِهِ مِنْ قَدْحِ الشُّهُودِ وَمُعَارَضَتِهِ.

أَمَّا إذَا كَانَ طَرِيقُهُ الْفِقْهَ الْمَحْضَ فَهُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَصْمِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ ثُمَّ لَوْ تَدَاعَيَا فِي عَيْنٍ مِنْ الْمِيرَاثِ فَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ الْحُكْمَ بِاسْتِحْقَاقِ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْأُخْرَى مَعَ اتِّخَاذِ حُكْمِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>