للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ حَرَامٌ بَاطِلٌ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ

وَصُورَتُهُ: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، كَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَكَمَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهِ أُمَّتُهُ، فَإِذَا تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بِنِيَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِتَحِلَّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ كَانَ هَذَا النِّكَاحُ حَرَامًا بَاطِلًا، سَوَاءٌ عَزَمَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إمْسَاكِهَا، أَوْ فَارَقَهَا، وَسَوَاءٌ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، أَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، أَوْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ لَفْظًا بَلْ كَانَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِطْبَةِ وَحَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَهْرِ نَازِلًا بَيْنَهُمْ مَنْزِلَةَ اللَّفْظِ بِالشُّرُوطِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا لِتَحِلَّ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْلَمَ الْمَرْأَةُ وَلَا وَلِيُّهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، سَوَاءٌ عَلِمَ الزَّوْجُ الْمُطَلِّقُ ثَلَاثًا، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، مِثْلُ أَنْ يَظُنَّ الْمُحَلِّلُ أَنَّ هَذَا فِعْلُ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ مَعَ الْمُطَلِّقِ وَامْرَأَتِهِ بِإِعَادَتِهَا إلَيْهِ لِمَا أَنَّ الطَّلَاقَ أَضَرَّ بِهِمَا وَبِأَوْلَادِهِمَا وَعَشِيرَتِهِمَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.

بَلْ لَا يَحِلُّ لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى يَنْكِحَهَا رَجُلٌ مُرْتَغِبًا لِنَفْسِهِ نِكَاحَ رَغْبَةٍ لَا نِكَاحَ دُلْسَةٍ، وَيَدْخُلُ بِهَا بِحَيْثُ تَذُوقُ عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقُ عُسَيْلَتَهَا. ثُمَّ بَعْدَ هَذَا إذَا حَدَثَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ بِمَوْتٍ، وَطَلَاقٍ أَوْ فَسْخٍ، جَازَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَوْ أَرَادَ هَذَا الْمُحَلِّلُ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ النِّكَاحَ، فَإِنَّ مَا مَضَى عَقْدٌ فَاسِدٌ لَا يُبَاحُ الْمُقَامُ بِهِ مَعَهَا هَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَامَّةِ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَعَامَّةِ فُقَهَاءِ الْإِسْلَامِ، مِثْلُ: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ أَرْكَانُ التَّابِعِينَ.

وَمِثْلُ: أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>