للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْكَسُ الصَّفْقَتَيْنِ، وَهُوَ النَّقْدُ، فَإِنْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ قَصَدَ بِالْحَدِيثِ هَذَا، وَنَحْوُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَعَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ» - رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - وَكِلَا هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ يُؤَوَّلَانِ إلَى الرِّبَا، وَفِي النَّهْيِ عَنْ هَذَا كُلِّهِ أَوْضَحُ دَلَالَةٍ عَنْ النَّهْيِ عَنْ الْحِيَلِ الَّتِي هِيَ فِي الظَّاهِرِ بَيْعٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ رِبًا.

وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ، أَنَّهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ وَالْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» قَالَ: «مَا ظَهَرَ الرِّبَا وَالزِّنَا فِي قَوْمٍ إلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ» .

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّبَا وَالزِّنَا قَرِينَانِ فِي الِاحْتِيَالِ عَلَيْهِمَا وَفِي أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى، وَالْمَعْنَى الْمَذْكُورَ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قَبْلَهُ مَا رَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ عُمَرَ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. ثَلَاثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ عَهِدَ إلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا يَنْتَهِي إلَيْهِ: الْجَدُّ وَالْكَلَالَةُ. وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

فَإِنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصَدَ بَيَانَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي فِيهَا إجْمَالٌ وَرَأَى أَنَّ مِنْهَا الْخَمْرَ وَالرِّبَا فَإِنَّ مِنْهُمَا مَا لَا يَسْتَرِيبُ أَحَدٌ فِي تَسْمِيَتِهِ رِبًا وَخَمْرًا وَمِنْهُمَا مَا قَدْ يَقَعُ فِيهِ الشُّبْهَةُ، وَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ يَعُمُّ كُلَّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، وَهِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ، وَأَمَّا الرِّبَا فَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ فِيهِ لَفْظًا جَامِعًا فَقَالَ فِيمَا لَمْ يَتَبَيَّنْهُ: " وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا ". فَعُلِمَ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَحْسَبُهُ النَّاسُ بَيْعًا هُوَ رِبًا فَإِنَّ آيَةَ الرِّبَا مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، فَلَمْ يَعْرِفْ جَمِيعَ أَبْوَابِ الرِّبَا كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَلِهَذَا قَامَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَطِيبًا فِي النَّاسِ فَقَالَ: " أَلَا إنَّ آخِرَ الْقُرْآنِ كَانَ تَنْزِيلًا آيَةُ الرِّبَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا - وَفِي لَفْظٍ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا - فَدَعُوا مَا يَرِيبُكُمْ إلَى مَا لَا يَرِيبُكُمْ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ ". وَهَذَا مَشْهُورٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>