لَفْظَهُ: أَبِيعُك الْعَشَرَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ، فَكَرِهُوا هَذَا الْكَلَامَ لِمُشَابَهَتِهِ الرِّبَا، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ ذَلِكَ، مَا رَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا» فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي تَفْسِيرِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ تَفْسِيرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ هُوَ لَك بِنَقْدٍ بِكَذَا وَبِنَسِيئَةٍ بِكَذَا، كَمَا رَوَاهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ» قَالَ سِمَاكٌ: الرَّجُلُ يَبِيعُ الْبَيْعَ فَيَقُولُ هُوَ بِنَسْإٍ بِكَذَا وَبِنَقْدٍ بِكَذَا وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.
وَعَلَى هَذَا فَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَهُ بِأَحَدِهِمَا مُبْهَمًا وَيَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا تَفْسِيرُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرِّبَا هُنَا وَلَا صَفْقَتَيْنِ هُنَا، وَإِنَّمَا هِيَ صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ بِثَمَنٍ مُبْهَمٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ هِيَ بِنَقْدٍ بِكَذَا أَبِيعُكَهَا بِنَسِيئَةٍ كَذَا كَالصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَيَكُونُ قَدْ جَمَعَ صَفْقَتَيْ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ النَّقْدَ مِعْيَارًا لِلنَّسِيئَةِ وَهَذَا مُطَابِقٌ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا» . فَإِنَّ مَقْصُودَهُ حِينَئِذٍ، هُوَ بَيْعُ دَرَاهِمَ عَاجِلَةٍ بِآجِلَةٍ، فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ، وَهُوَ أَوْكَسُ الصَّفْقَتَيْنِ وَهُوَ مِقْدَارُ الْقِيمَةِ الْعَاجِلَةِ فَإِنْ أَخَذَ الزِّيَادَةَ فَهُوَ مُرْبٍ.
التَّفْسِيرُ الثَّانِي: أَنْ يَبِيعَهُ الشَّيْءَ بِثَمَنٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ذَلِكَ الثَّمَنَ، وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا أَوْلَى بِلَفْظِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، فَإِنَّهُ بَاعَ السِّلْعَةَ وَابْتَاعَهَا، أَوْ بَاعَ بِالثَّمَنِ وَبَاعَهُ، وَهَذَا صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ حَقِيقَةً، وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْعِينَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَهُ نَسْئًا، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا، أَوْ يَبِيعَهُ نَقْدًا، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ نَسْئًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيَعُودُ حَاصِلُ هَاتَيْنِ الصَّفْقَتَيْنِ إلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دَرَاهِمَ وَيَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَسِلْعَتُهُ عَادَتْ إلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute