للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ بَيْعِ الرَّجُلِ أَوْ عَامَّتُهُ نَسِيئَةً لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي اسْمِ الْعِينَةِ وَبَيْعِ الْمُضْطَرِّ، فَإِنْ أَعَادَ السِّلْعَةَ إلَى الْبَائِعِ، أَوْ إلَى آخَرَ يُعِيدُهَا إلَى الْبَائِعِ عَنْ احْتِيَالٍ مُهِمٍّ وَتَوَاطُؤٍ لَفْظِيٍّ، أَوْ عُرْفِيٍّ، فَهُوَ الَّذِي لَا يُشَكُّ فِي تَحْرِيمِهِ.

وَأَمَّا إنْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ بَيْعًا ثَابِتًا وَلَمْ تَعُدْ إلَى الْأَوَّلِ بِحَالٍ، فَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي كَرَاهَتِهِ وَيُسَمُّونَهُ التَّوَرُّقَ، لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الْوَرِقُ.

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَكْرَهُهُ وَقَالَ: التَّوَرُّقُ أَخْبَثُ الرِّبَا، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ يُرَخِّصُ فِيهِ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ وَأَشَارَ فِي رِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ إلَى أَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أُسَامَةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، إنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى هَذَا أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّ رِبَا النَّسِيئَةِ يَدْخُلُ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ بِخِلَافِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ نَادِرٌ لَا يَكَادُ يُفْعَلُ إلَّا عِنْدَ صِفَةِ الْمَالَيْنِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ إنَّمَا الْعَالِمُ زَيْدٌ وَلَا سَيْفَ إلَّا ذُو الْفَقَارِ يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ الْكَامِلُ فِي بَابِهِ وَكَذَلِكَ النَّسِيئَةُ هِيَ أَعْظَمُ الرِّبَا وَكُبْرُهُ.

يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَقَمْت بِنَقْدٍ فَبِعْت بِنَقْدٍ، فَلَا بَأْسَ، وَإِذَا اسْتَقَمْت بِنَقْدٍ فَبِعْته بِنَسِيئَةٍ فَلَا خَيْرَ فِيهِ تِلْكَ وَرِقٌ بِوَرِقٍ - رَوَاهُ سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ - يَعْنِي إذَا قَوَّمْتهَا بِنَقْدٍ ثُمَّ بِعْتهَا نَسِيئًا كَانَ مَقْصُودُ الْمُشْتَرِي اشْتِرَاءَ دَرَاهِمَ مُعَجَّلَةٍ بِدَرَاهِمَ مُؤَجَّلَةٍ وَهَذَا شَأْنُ الْمُوَرِّقِينَ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ فَيَقُولُ أُرِيدُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَيُخْرِجُ لَهُ سِلْعَةً تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَهَذَا هُوَ الِاسْتِقَامَةُ - يَقُولُ أَقَمْت السِّلْعَةَ وَقَوَّمْتهَا وَاسْتَقَمْتهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهِيَ لُغَةٌ مَكِّيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ بِمَعْنَى التَّقْوِيمِ - فَإِذَا قَوَّمْتهَا بِأَلْفٍ قَالَ اشْتَرَيْتهَا بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُوَافِقُ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ بِنَقْدٍ فَلْيُسَاوِمْهُ بِنَقْدٍ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَبْتَاعَهُ بِنَسْأٍ فَلْيُسَاوِمْهُ بِنَسْإٍ كَرِهُوا أَنْ يُسَاوِمَهُ بِنَقْدٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِنَسْإٍ لِئَلَّا يَكُونَ الْمَقْصُودُ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ دَلِيلٍ عَلَى كَرَاهَتِهِمْ، لِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا قَدْ حُفِظَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا بَيْعَ " ده بدوازده "؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>