لِيَنْدَفِعَ ذَلِكَ الظَّالِمُ وَلِهَذَا سُمِّيَ تَلْجِئَةً - وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَلْجَأْتُهُ إلَى هَذَا الْأَمْرِ تَلْجِئَةً -؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ أُلْجِئَ إلَى هَذَا الْأَمْرِ، ثُمَّ صَارَ كُلُّ عَقْدٍ قُصِدَ بِهِ السُّمْعَةَ دُونَ الْحَقِيقَةِ يُسَمَّى تَلْجِئَةً وَإِنْ قُصِدَ بِهِ دَفْعُ حَقٍّ، أَوْ قُصِدَ بِهِ مُجَرَّدُ السُّمْعَةِ عِنْدَ النَّاسِ، وَأَمَّا الْهَازِلُ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا، أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا، أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا فَقَدْ جَازَ» .
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ إذَا تُكُلِّمَ بِهِنَّ: الطَّلَاقُ. وَالْعَتَاقُ. وَالنِّكَاحُ. وَالنَّذْرُ، وَعَنْ عَلِيٍّ: ثَلَاثٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالنِّكَاحُ، وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: ثَلَاثٌ اللَّعِبُ فِيهِنَّ كَالْجِدِّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعِتْقُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: النِّكَاحُ جِدُّهُ وَلَعِبُهُ سَوَاءٌ. رَوَاهُنَّ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ.
فَأَمَّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَيَقَعُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَكَذَلِكَ نِكَاحُهُ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحَكَاهُ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نِكَاحَ الْهَازِلِ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ طَلَاقِهِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَنَّ هَزْلَ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ لَازِمٌ؛ فَلَوْ خَطَبَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَوَلِيُّهَا حَاضِرٌ وَكَانَتْ فَوَّضَتْ ذَلِكَ إلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت. أَوْ كَانَتْ بِكْرًا وَخُطِبَتْ إلَى أَبِيهَا، فَقَالَ: قَدْ أَنْكَحْت، فَقَالَ: لَا أَرْضَى لَزِمَهُ النِّكَاحُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ فِي السُّلَيْمَانِيَّةِ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: نِكَاحُ الْهَازِلِ لَا يَجُوزُ. قَالَ سُلَيْمَانُ: إذَا عُلِمَ الْهَزْلُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ فَهُوَ جَائِزٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: فَإِنْ قَامَ دَلِيلُ الْهَزْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا نِكَاحٌ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ. وَإِنْ قَامَ دَلِيلُ ذَلِكَ فِي الْبَاطِنِ لَزِمَهُ نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَمْ يُمَكَّنْ مِنْهَا لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute