للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ تَلْجِئَةً حَتَّى يَقُولَا فِي الْعَقْدِ قَدْ تَبَايَعْنَا هَذَا الْعَقْدَ تَلْجِئَةً.

وَمَأْخَذُ مَنْ أَبْطَلَهُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الْعَقْدَ حَقِيقَةً وَالْقَصْدُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّتِهِ وَأَنَّهُمَا يُمْكِنُهُمَا أَنْ يَجْعَلَاهُ هَزْلًا بَعْدَ وُقُوعِهِ فَكَذَلِكَ إذَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ.

وَمَأْخَذُ مَنْ يُصَحِّحُهُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَقْدِ وَالْمُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ.

وَالْأَوَّلُونَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى، وَيَقُولُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ الْمُقَارِنِ وَالْمُتَقَدِّمِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إنَّمَا ذَاكَ فِي الشَّرْطِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ الرَّافِعِ لَهُ، فَإِنَّ التَّشَارُطَ هُنَا يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَهُنَاكَ هُوَ مَقْصُودٌ، وَقَدْ أَطْلَقَ عَنْ شَرْطٍ مُقَارِنٍ.

فَأَمَّا نِكَاحُ التَّلْجِئَةِ فَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، كَنِكَاحِ الْهَازِلِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْعَقْدِ بَلْ هَازِلٌ لَهُ، وَنِكَاحُ الْهَازِلِ يَصِحُّ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ رَفْعَ مُوجَبِهِ، مِثْلُ: أَنْ يَشْرِطَ أَنْ لَا يَطَأَهَا أَوْ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ يَصِحُّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى التَّلْجِئَةِ حَقِيقَتُهُ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَعْقِدَا عَقْدًا لَا يَقْتَضِي مُوجَبَهُ وَهَذَا لَا يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ الْمُحَلِّلِ فَإِنَّهُ قَصَدَ رَفْعَهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهَذَا أَمْرٌ مُمْكِنٌ فَصَارَ قَصْدُهُ مُؤَثِّرًا فِي رَفْعِ الْعَقْدِ وَهَذَا فَرْقٌ ثَانٍ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحْقِيقٌ لِلْفَرْقِ الْأَوَّلِ بَيْنَ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَالْهَازِلِ.

فَإِنَّ الْهَازِلَ قَصَدَ قَطْعَ مُوجَبِ السَّبَبِ عَنْ السَّبَبِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّ ذَلِكَ قَصْدٌ لِإِبْطَالِ حُكْمِ الشَّارِعِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَقْدَحُ هَذَا الْقَصْدُ فِي مَقْصُودِ النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ.

وَالْمُحَلِّلُ قَصَدَ رَفْعَ الْحُكْمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهَذَا مُمْكِنٌ فَيَكُونُ قَصْدًا مُؤَثِّرًا فَيَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ النِّكَاحِ فَيَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ مُمْكِنٍ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْهَازِلَ يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ فَإِنْ أَحَبَّ قَطْعَهُ احْتَاجَ إلَى قَصْدٍ ثَانٍ. وَالْمُحَلِّلُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ قَدْ عَزَمَ عَلَى رَفْعِهِ.

وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا فِي الْعَقْدِ رَفْعَ الْعَقْدِ وَهُوَ نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ، أَوْ الْمُتْعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>