للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ بَاطِلًا. وَلَوْ شَرَطَا فِيهِ رَفْعَ حُكْمِهِ، مِثْلُ عَدَمِ الْحِيَلِ وَنَحْوِهِ لَكَانَ يُصَحِّحُهُ مَنْ لَمْ يُصَحِّحْ الْأَوَّلَ وَمَنْ قَالَ هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك هَازِلًا فَقَالَ قَبِلْت أَنْ يَصِحَّ النِّكَاحُ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْت هَازِلًا وَيَتَخَرَّجُ فِي نِكَاحِ التَّلْجِئَةِ أَنَّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ الْمَوْجُودَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ فِي أَظْهَرِ الطَّرِيقَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَلَوْ اشْتَرَطَا فِي الْعَقْدِ أَنَّهُ نِكَاحُ تَلْجِئَةٍ لَا حَقِيقَةٍ لَكَانَ نِكَاحًا بَاطِلًا، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ فِيهِ خِلَافًا فَإِنَّ أَسْوَأَ الْأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ شَرَطَا أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ وَهَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهَزْلِ فَإِنَّهُ قَصْدٌ مَحْضٌ لَمْ يَتَشَارَطَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَهُ أَحَدُهُمَا وَلَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَهْزِلَ فِيمَا يُخَاطِبُ بِهِ غَيْرَهُ وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ.

وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا فِي السِّرِّ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ وَأَظْهَرَا فِي الْعَقْدِ أَلْفَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْقَدِيمِ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمَا الثَّمَنُ مَا أَظْهَرَاهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي الْمَهْرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا أَظْهَرَاهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ التَّلْجِئَةِ فِي الثَّمَنِ وَالتَّلْجِئَةِ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّ التَّلْجِئَةَ فِي الْبَيْعِ تَجْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَالْقَصْدُ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّتِهِ وَهُنَا الْعَقْدُ مَقْصُودٌ وَمَا تَقَدَّمَهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَقْدِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَمِيعِ بِمَا أَظْهَرَاهُ، وَفِي الْمَهْرِ عَنْهُ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْجَدِيدِ هُوَ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ مِثْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمْ: الثَّمَنُ مَا أَسَرَّاهُ وَالزِّيَادَةُ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ بِخِلَافٍ الْمَهْرِ إلْحَاقًا لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ، وَإِلْحَاقًا لِلْمَهْرِ بِالنِّكَاحِ، وَجَعَلَا الزِّيَادَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَهِيَ لَاحِقَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَكْسَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْعِوَضِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْعِبْرَةُ فِي الْجَمِيعِ بِمَا أَسَرَّاهُ.

وَإِنَّمَا يَتَحَرَّرُ الْكَلَامُ فِي هَذَا بِمَسْأَلَةِ الْمَهْرِ، وَلَهَا فِي الْأَصْلِ صُورَتَانِ؛ وَكَلَامُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا عَامٌّ فِيهِمَا، أَوْ مُجْمَلٌ.

إحْدَاهُمَا: أَنْ يَعْقِدُوهُ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ وَقَدْ اتَّفَقُوا قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَهْرَ أَلْفٌ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ سُمْعَةٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْقِدُوهُ بِالْأَقَلِّ، فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَهْرَ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ تَصَادَقُوا عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَلَانِيَةُ مِنْ جِنْسِ السِّرِّ، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، قَالُوا: وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>