الثَّالِثِ: أَنَّ الْهَازِلَ لَوْ وَصَلَ قَوْلَهُ بِلَفْظِ الْهَزْلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: طَلَّقْتُكِ هَازِلًا، أَوْ طَلَّقْتُكِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ.
وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهِ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ هَازِلًا، أَوْ زَوَّجْتُكَ غَيْرَ قَاصِدٍ لَأَنْ تَمْلِكَ الْمَرْأَةَ. فَأَمَّا لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ عَلَى أَنْ تُحِلَّهَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ عَلَى أَنْ تُطَلِّقَهَا إذَا أَحْلَلْتهَا لَمْ يَصِحَّ، فَإِذَا ثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَفْظًا فَثُبُوتُهُ بِالْبَيِّنَةِ مِثْلُهُ سَوَاءً بَلْ أَوْلَى، وَسِرُّ هَذَا الْفَرْقِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْهَازِلَ مَعَ عَدَمِ قَصْدِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْعَدَمِ لَوْ أَظْهَرَهُ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ، وَالْمُحَلِّلُ وَنَحْوُهُ مَعَهُ قَصْدٌ يُنَافِي الْمُقْتَضِيَ وَمَا يُنَافِي الْمُقْتَضِيَ لَوْ أَظْهَرَهُ كَانَ شَرْطًا فَالْهَازِلُ عَقَدَ عَقْدًا نَاقِصًا فَكَمَّلَهُ الشَّارِعُ. وَالْمُحَلِّلُ زَادَ عَلَى الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ مَا أَوْجَبَ عَدَمَهُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ نِكَاحَ الْهَازِلِ وَنَحْوَهُ حُجَّةٌ لِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ أَنْ تُتَّخَذَ آيَاتُ اللَّهِ هُزُوًا، وَأَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ الْعُقُودُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْجِدِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ مُوجَبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةَ. وَلِهَذَا يُنْهَى عَنْ الْهَزْلِ بِهَا، وَعَنْ التَّلْجِئَةِ، كَمَا يُنْهَى عَنْ التَّحْلِيلِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: ٢٣١] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِهِ طَلَّقْتُكِ رَاجَعْتُكِ طَلَّقْتُكِ رَاجَعْتُكِ» . فَعُلِمَ أَنَّ اللَّعِبَ بِهَا حَرَامٌ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَمَعْنَى فَسَادِهِ عَدَمُ تَرَتُّبِ أَثَرِهِ الَّذِي يُرِيدُهُ الْمَنْهِيُّ، مِثْلُ نَهْيِهِ عَنْ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ، فَإِنَّ فَسَادَهُ عَدَمُ حُصُولِ الْمِلْكِ، وَالْهَازِلُ اللَّاعِبُ بِالْكَلَامِ غَرَضُهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّلَهِّي وَالتَّمَضْمُضُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ حُكْمِهِ لَهُ، فَأَفْسَدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ هَذَا الْغَرَضَ بِأَنْ أَلْزَمَهُ الْحُكْمَ مَتَى تَكَلَّمَ بِهَا، فَلَمْ يَتَرَتَّبْ غَرَضُهُ مِنْ التَّلَهِّي بِهَا وَاللَّعِبِ وَالْخَوْضِ، بَلْ لَزِمَهُ النِّكَاحُ وَثَبَتَ فِي حَقِّهِ النِّكَاحُ وَمَتَى ثَبَتَ النِّكَاحُ فِي حَقِّهِ تَبِعَتْهُ أَحْكَامُهُ، وَالْمُحْتَالُ كَالْمُحَلِّلِ مِثْلُ غَرَضِهِ إعَادَةُ الْمَرْأَةِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَجِبُ فَسَادُ هَذَا الْغَرَضِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَحِلَّ عَوْدُهَا، وَإِنَّمَا لَا يَحِلُّ عَوْدُهَا إذَا كَانَ نِكَاحُهُ فَاسِدًا فَيَجِبُ إفْسَادُ نِكَاحِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute