للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَلَفَ أَنَّهُ أَخُوهُ وَعَنَى أَخُوهُ فِي الدِّينِ، وَكَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " رَجُلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ ". وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْكَافِرِ الَّذِي سَأَلَهُ مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَحْنُ مِنْ مَاءٍ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَمْرٌ جَائِزٌ.

وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَتَمَ عَنْ الْمُخَاطَبِ مَا أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ، أَوْ فَهَّمَهُ خِلَافَ مَا فِي نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا عَنَاهُ وَالْمُخَاطَبُ ظَالِمٌ فِي تَعَرُّفِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِحَيْثُ يَكُونُ جَهْلُهُ بِهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِهِ، وَهَذَا فِعْلُ خَيْرٍ وَمَعْرُوفٍ مَعَ نَفْسِهِ، وَمَعَ الْمُخَاطَبِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ عَقِيبَ هَذَا الْوَجْهِ وَاَلَّذِي يَلِي هَذَا ذِكْرُ أَقْسَامِ الْحِيَلِ، وَأَنَّ هَذَا الضَّرْبَ الْمَأْثُورَ عَنْ السَّلَفِ مِنْ الْمَعَارِيضِ جَائِزٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ الْحِيَلِ الَّتِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا الَّتِي مَضْمُونُهَا الِاحْتِيَالُ عَلَى مُحَرَّمٍ، إمَّا بِسَبَبٍ لَا يُبَاحُ بِهِ قَطُّ، أَوْ يُبَاحُ بِهِ إذَا قُصِدَ بِذَلِكَ السَّبَبِ مَقْصُودُهُ الْأَصْلِيُّ وَكَانَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ، أَوْ الِاحْتِيَالُ عَلَى مُبَاحٍ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ أَوْ الِاحْتِيَالُ عَلَى مُحَرَّمٍ بِحَرَامٍ، وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأُصُولَ، فَهَذِهِ الْحِيَلُ الَّتِي قُلْنَا لَمْ يَكُنْ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يُفْتِي بِهَا، أَوْ يَعْلَمُهَا بَلْ كَانُوا يَنْهَوْنَ عَنْهَا.

وَأَمَّا تَعْرِيفُ الطَّرِيقِ الَّذِي يَنَالُ بِهِ الْحَلَالُ، وَالِاحْتِيَالُ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الْمَأْثَمِ بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ يَقْصِدُ بِهِ مَا شُرِعَ لَهُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي كَانُوا يُفْتُونَ بِهِ وَهُوَ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الْخَيْرِ، وَالدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ: «بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا» . وَكَمَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: " إنَّ أَوْرَاقَنَا تُزَيَّفُ عَلَيْنَا أَفَنَزِيدُ عَلَيْهَا وَنَأْخُذُ مَا هُوَ أَجْوَدُ مِنْهَا قَالَ: لَا، وَلَكِنْ ائْتِ النَّقِيعَ فَاشْتَرِي بِهَا سِلْعَةً، ثُمَّ بِعْهَا بِمَا شِئْت. وَكَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ دَرَاهِمُ لَا تُنْفَقُ فَلْيَبْتَعْ بِهَا ذَهَبًا وَلْيَبْتَعْ بِهِ مَا شَاءَ " رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.

فَهَذَا يَبِيعُ بَيْعًا بَتَاتًا مَقْصُودًا، وَيَسْتَوْفِي الثَّمَنَ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُمْ كَرِهُوهُ حَيْثُ يَكُونُ فِي مَظِنَّةِ أَنْ يَبْتَاعَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ، وَرَخَّصَ فِيهِ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كَانَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبْتَاعَ مِنْ الرَّجُلِ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِالدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ، وَالْبَيْعُ طَرِيقٌ مَشْرُوعٌ لِحُصُولِ الْمِلْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِلْبَائِعِ فِيهِ عَلَاقَةٌ فَإِذَا سَلَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>