للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُطَلِّقُهَا، وَكَانَتْ رَاغِبَةً فِي رِفَاعَةَ، فَلَوْ كَانَ التَّحْلِيلُ مُمْكِنًا لَكَانَ أَنْصَحُ الْأُمَّةِ لَهَا يَأْمُرُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُحَلِّلٍ، فَإِنَّهَا لَنْ تَعْدَمَ أَنْ تُبَيِّتَهُ عِنْدَهَا لَيْلَةً وَتُعْطِيَ شَيْئًا، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلِمَ كُلُّ عَاقِلٍ أَنَّ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرُ قِصَّتِهَا.

وَمَنْ لَمْ تَسَعْهُ السُّنَّةُ حَتَّى تَعَدَّاهَا إلَى الْبِدْعَةِ مَرَقَ مِنْ الدِّينِ وَمَنْ أَطْلَقَ لِلنَّاسِ مَا لَمْ يُطْلِقْهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلْإِطْلَاقِ، فَقَدْ جَاءَ بِشَرِيعَةٍ ثَانِيَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلرَّسُولِ، فَلْيَنْظُرْ امْرُؤٌ أَيْنَ يَضَعُ قَدَمَهُ، وَكَذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَوْمَ كَانَتْ التِّجَارَةُ فِيهِمْ فَاشِيَةً وَالرِّبْحُ مَطْلُوبٌ بِكُلِّ طَرِيقٍ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَامَلَاتُ الَّتِي تَقْصِدُ بِهَا مَا يُقْصَدُ مِنْ رِبْحِ دَرَاهِمَ فِي دَرَاهِمَ بِاسْمِ الْبَيْعِ جَائِزٌ، وَلَا شَكَّ أَنْ يُفْتُوا بِهَا، وَكَذَلِكَ الِاخْتِلَاعُ لِحِلِّ الْيَمِينِ وَبِالْجُمْلَةِ الْأَسْبَابُ الْمُحْوِجَةُ إلَى هَذِهِ الْحِيَلِ مَا زَالَتْ مَوْجُودَةً، فَلَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَنَبَّهَ الصَّحَابَةُ عَلَيْهَا فَلَمَّا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ إلَّا الْإِنْكَارُ بِحَقِيقَتِهَا مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ فِي زَعْمِ أَصْحَابِهَا إلَيْهَا، عُلِمَ قَطْعًا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ، وَهَذَا قَاطِعٌ لَا خَفَاءَ بِهِ لِمَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذِهِ الْحِيَلَ، أَوْ مَا ظَهَرَ الْإِفْتَاءُ بِهَا فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ التَّابِعِينَ أَنْكَرَ ذَلِكَ عُلَمَاءُ ذَلِكَ الزَّمَانِ، مِثْلُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، وَمِثْلُ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مَعْنٍ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قُضَاةِ الْكُوفَةِ.

وَتَكَلَّمَ عُلَمَاءُ ذَلِكَ الْعَصْرِ مِثْلُ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، وَالسُّفْيَانَيْنِ، وَالْحَمَّادَيْنِ، وَمَالِكٍ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الدِّينِ، وَتَوَسَّعُوا فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ بِكَلَامٍ غَلِيظٍ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ بِدْعَةٍ لَا تُعْرَفُ دُونَ مَنْ أَفْتَى بِمَا كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ تُفْتِي بِهِ، أَوْ بِحَقٍّ مِنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ، وَأَمْثَالَهُمْ هُمْ سُرُجُ الْإِسْلَامِ، وَمَصَابِيحُ الْهُدَى، وَأَعْلَامُ الدِّينِ، وَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ أَهْلِ وَقْتِهِمْ، وَأَعْلَمَ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ بِالسُّنَّةِ الْمَاضِيَةِ وَأَفْقَهَ فِي الدِّينِ، وَأَرْوَعَ فِي الْمَنْطِقِ، وَقَدْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ، وَيَقُولُونَ بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ، وَلَا يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ سَلَكَ هَذِهِ السَّبِيلَ.

فَلَمَّا اشْتَدَّ نَكِيرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ الَّذِي اسْتَحَلُّوا بِهِ الْحِيَلَ عُلِمَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>