للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذِهِ بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَفِي كَلَامِهِمْ دَلَالَاتٌ عَلَى ذَلِكَ مِثْلُ وَصْفِهِمْ مَنْ كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْلِبُ الْإِسْلَامَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَيَتْرُكُ الْإِسْلَامَ أَرَقَّ مِنْ الثَّوْبِ السَّابِرِيِّ، وَيَنْقُضُ الْإِسْلَامَ عُرْوَةً عُرْوَةً إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَكَانَ أَعْظَمُ مَا أَنْكَرُوا عَلَى الْمُتَوَسِّعِ فِي الرَّأْيِ مُخَالَفَةَ الْأَحَادِيثِ وَالْإِفْتَاءِ بِالْحِيَلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْدًا، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ، أَوْ لِنِسْيَانِهِ إيَّاهُ وَذُهُولِهِ عَنْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثِقُ بِهِ، أَوْ لِعَدَمِ تَفَطُّنِهِ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ مِنْهُ، أَوْ لِقِلَّةِ اعْتِنَائِهِ بِمَعْرِفَتِهِ، أَوْ لِنَوْعِ تَأْوِيلٍ يَتَأَوَّلُهُ عَلَيْهِ، أَوْ ظَنِّهِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَا مِنْ الْفُقَهَاءِ أَحَدٌ إلَّا وَقَدْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ بَعْضُ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا الْمُنْكِرُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِي الْمَاضِينَ الْإِفْتَاءَ بِالْحِيَلِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الرَّأْيِ تَصْرِيحٌ، أَنَّهُ قَالَ: مَا نَقَمُوا عَلَيْنَا مِنْ أَنَّا عَمَدْنَا إلَى أَشْيَاءَ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ فَاحْتَلْنَا فِيهَا حَتَّى صَارَتْ حَلَالًا.

وَقَالَ آخَرَانِ: إلَّا احْتَلْنَا لِلنَّاسِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً احْتَالَ عَلَى هَذَا فِي قَضِيَّةٍ جَرَتْ لَهُ مَعَ رَجُلٍ وَلَمَّا وَضَعَ بَعْضُ النَّاسِ كِتَابًا فِي الْحِيَلِ اشْتَدَّ نَكِيرُ السَّلَفِ، لِذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ مَرْوَانَ كَانَتْ امْرَأَةٌ هَاهُنَا تَمُرُّ وَأَرَادَتْ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا فَأَبَى زَوْجُهَا عَلَيْهَا، فَقِيلَ: لَهَا لَوْ ارْتَدَدْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ لَبِنْتِ مِنْ زَوْجِكِ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ - وَقِيلَ لَهُ: إنَّ هَذَا كِتَابُ الْحِيَلِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ وَضَعَ هَذَا الْكِتَابَ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ شَفِيقِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أَبِي رَوْحٍ حَيْثُ أُمِرَتْ بِالِارْتِدَادِ وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ أَبِي غَسَّانَ فَذَكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغْضَبٌ: " أَحْدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ، أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ بِهِ، أَوْ هَوِيَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ ". ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا " أَرَى الشَّيْطَانَ كَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَا حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ ".

وَقَالَ إِسْحَاقُ الطَّالَقَانِيُّ قِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنَّ هَذَا وَضَعَهُ إبْلِيسُ يَعْنِي كِتَابَ الْحِيَلِ، فَقَالَ إبْلِيسُ مِنْ الْأَبَالِسَةِ وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: فِي كِتَابِ الْحِيَلِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ، أَوْ ثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً كُلُّهَا كُفْرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>