الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَعْيَانِ الْأُمَّةِ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا لَهُمْ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ خَفِيَ عَلَيْهِمْ فِيهَا السُّنَّةُ وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَا يُحْصَى مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَغُضُّ مِنْ أَقْدَارِهِمْ وَلَا يُسَوِّغُ اتِّبَاعَهُمْ فِيهَا، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] .
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إلَّا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ إنْ أَخَذْت بِرُخْصَةِ كُلِّ عَالِمٍ اجْتَمَعَ فِيك الشَّرُّ كُلُّهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا إجْمَاعٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا يَنْبَغِي تَأَمُّلُهُ فَرَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَابْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنِّي لَأَخَافُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي مِنْ أَعْمَالٍ ثَلَاثَةٍ قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ، وَمِنْ حُكْمٍ جَائِرٍ وَمِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ» .
وَقَالَ زِيَادُ بْنُ حُدَيْرٍ: قَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ يَهْدِمْنَ الدِّينَ زَلَّةُ الْعَالِمِ وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ زَلَّةَ الْعَالِمِ وَجِدَالَ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ حَقٌّ وَعَلَى الْقُرْآنِ مَنَارٌ كَأَعْلَامِ الطَّرِيقِ، وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ - قَلَّ مَا يُخْطِيهِ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ - اللَّهُ حَكَمٌ قِسْطٌ هَلَكَ الْمُرْتَابُونَ، إنَّ وَرَاءَكُمْ فِتَنًا يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ وَيُفْتَحُ فِيهَا الْقُرْآنُ حَتَّى يَقْرَأَهُ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ فَيُوشِكُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَقُولَ قَدْ قَرَأْت الْقُرْآنَ فَمَا أَظُنُّ أَنْ يَتَّبِعُونِي حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ، قَالَ: فَإِيَّاكُمْ وَمَا اُبْتُدِعَ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِيَّاكُمْ وَزَيْغَةَ الْحَكِيمِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ بِكَلِمَةِ الضَّلَالَةِ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ فَتَلَقَّوْا الْحَقَّ عَمَّنْ قَدْ جَاءَ بِهِ فَإِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا، قَالُوا: وَكَيْفَ زَيْغَةُ الْحَكِيمِ؟ قَالَ: هِيَ كَلِمَةٌ تُرَوِّعُكُمْ وَتُنْكِرُونَهَا وَتَقُولُونَ مَا هَذِهِ فَاحْذَرُوا زَيْغَتَهُ وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَفِيءَ وَأَنْ يُرَاجِعَ الْحَقَّ، وَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانُهُمَا إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute