يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا وَقَالَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ: كَيْفَ أَنْتُمْ عِنْدَ ثَلَاثَةٍ زَلَّةِ الْعَالِمِ وَجِدَالِ الْمُنَافِقِ بِالْقُرْآنِ وَدُنْيَا تُقَطِّعُ أَعْنَاقَكُمْ، فَأَمَّا زَلَّةُ الْعَالِمِ فَإِنْ اهْتَدَى فَلَا تُقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ تَقُولُ: نَصْنَعُ مِثْلَ مَا يَصْنَعُ فُلَانٌ وَنَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ فُلَانٌ إنْ أَخْطَأَ فَلَا تَقْطَعُوا إيَاسَكُمْ مِنْهُ فَتُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ. وَأَمَّا مُجَادَلَةُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ لِلْقُرْآنِ مَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَخُذُوهُ وَمَا لَمْ تَعْرِفُوهُ فَكِلُوهُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَأَمَّا دُنْيَا تُقَطِّعُ أَعْنَاقَكُمْ فَانْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ دُونَكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَيْلٌ لِلْأَتْبَاعِ مِنْ عَثَرَاتِ الْعَالِمِ قِيلَ كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ يَقُولُ الْعَالِمُ شَيْئًا بِرَأْيِهِ ثُمَّ يَجِدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتْرُكُ قَوْلَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَمْضِي الْأَتْبَاعُ. وَهَذِهِ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ رَوَاهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
وَغَيْرُهُ فَإِذَا كُنَّا قَدْ حُذِّرْنَا مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ وَقِيلَ لَنَا: إنَّهَا أَخْوَفُ مَا يُخَافُ عَلَيْنَا وَأُمِرْنَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُرْجَعَ عَنْهُ فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ إذَا بَلَغَتْهُ مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنْ لَا يَحْكِيَهَا لِمَنْ يَتَقَلَّدُ بِهَا بَلْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِهَا إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا وَإِلَّا تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهَا فَمَا أَكْثَرَ مَا يُحْكَى عَنْ الْأَئِمَّةِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ يُخَرِّجُهَا بَعْضُ الْأَتْبَاعِ عَلَى قَاعِدَةٍ مَتْبُوعَةٍ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْإِمَامَ لَوْ رَأَى أَنَّهَا تَقْضِي إلَى ذَلِكَ لَمَا الْتَزَمَهَا، وَالشَّاهِدُ يَرَى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ، وَمَنْ عَلِمَ فِقْهَ الْأَئِمَّةِ وَوَرَعَهُمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْا هَذِهِ الْحِيَلَ وَمَا أَفَضْت إلَيْهِ مِنْ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ لَقَطَعُوا بِتَحْرِيمِ مَا لَمْ يَقْطَعُوا بِهِ أَوَّلًا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الَّذِينَ أَفْتَوْا مِنْ الْعُلَمَاءِ بِبَعْضِ مَسَائِلِ الْحِيَلِ، أَوْ أُخِذَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ قَوَاعِدِهِمْ لَوْ بَلَغَهُمْ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ لَرَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ يَقِينًا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْإِنْصَافِ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَرْجِعُ عَنْ رَأْيِهِ بِدُونِ مَا فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُجْتَمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي الْحَائِطَ " وَهَذَا قَوْلُ لِسَانِ حَالِ الْجَمَاعَةِ، وَمِنْ أُصُولِهِمْ أَنَّ أَقْوَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنْتَشِرَةَ لَا تُتْرَكُ إلَّا بِمِثْلِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي التَّحْلِيلِ وَالْعِينَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ مَا يَقْطَعُ مَعَهُ اللَّبِيبُ أَنْ لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ فِي مُخَالَفَتِهَا وَلَمْ تَشْتَمِلْ كُتُبُ مَنْ خَالَفَهَا مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهَا حَتَّى يُقَالَ: إنَّهُمْ تَأَوَّلُوهَا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُمْ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْقَوْلَ بِتَحْرِيمِ الْحِيَلِ قَطْعِيٌّ لَيْسَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ كَمَا قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute