للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَّنَّاهُ وَبَيَّنَّا إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهَا بِكَلَامٍ غَلِيظٍ يُخْرِجُهَا مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَاتِّفَاقَ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهَا بِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ تُخَالِفُ السُّنَّةَ وَآثَارَ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ، وَهَذَا مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ يُفْتِي بِهَا وَيَجِبُ نَقْضُ حُكْمِهِ، وَلَا يَجُوزُ الدَّلَالَةُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُقَلِّدِينَ عَلَى مَنْ يُفْتِي بِهَا مَعَ جَوَازِ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مِثْلِ هَذَا.

وَإِنْ كُنَّا نَعْذُرُ مَنْ اجْتَهَدَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي بَعْضِهَا، وَهَذَا كَمَا أَنَّ أَعْيَانَ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ وَالنَّبِيذِ وَنَحْوِهَا بَلْ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ حُدَّ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا وَاخْتَلَفُوا فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ فَرَدَّهَا مَالِكٌ دُونَ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ، مَعَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا بِالْمُتْعَةِ وَالصَّرْفِ مَعَهُمْ فِيهِمَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، لَكِنَّ سُنَّةَ الْمُتْعَةِ مَنْسُوخَةٌ، وَحَدِيثُ الصَّرْفِ يُفَسِّرُهُ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ، فَكَيْفَ بِالْحِيَلِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ سُنَّةٍ وَلَا أَثَرٍ أَصْلًا بَلْ السُّنَنُ وَالْآثَارُ تُخَالِفُهَا.

وَقَوْلُهُمْ مَسَائِلُ الْخِلَافِ لَا إنْكَارَ فِيهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ، إمَّا أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقَوْلِ بِالْحُكْمِ أَوْ الْعَمَلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ يُخَالِفُ سُنَّةً، أَوْ إجْمَاعًا قَدِيمًا وَجَبَ إنْكَارُهُ وِفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْكَرُ بِمَعْنَى بَيَانِ ضَعْفِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُمْ عَامَّةُ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا الْعَمَلُ فَإِذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ سُنَّةٍ، أَوْ إجْمَاعٍ وَجَبَ إنْكَارُهُ أَيْضًا بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الْإِنْكَارِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ شَارِبِ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَكَمَا يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إذَا خَالَفَ سُنَّةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ اتَّبَعَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهَا مَسَاغٌ يُنْكَرُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهَا مُجْتَهِدًا، أَوْ مُقَلِّدًا، وَإِنَّمَا دَخَلَ هَذَا اللَّبْسُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْقَائِلَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَسَائِلَ الْخِلَافِ هِيَ مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ كَمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ - وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وُجُوبًا ظَاهِرًا، مِثْلُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ مِنْ جِنْسِهِ فَيَسُوغُ لَهُ - إذَا عَدِمَ ذَلِكَ فِيهَا - الِاجْتِهَادُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَارِبَةِ. أَوْ لِخَفَاءِ الْأَدِلَّةِ فِيهَا وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيَّةً طَعْنٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَسَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ.

وَقَدْ تَيَقَّنَّا صِحَّةَ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>