للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يُنْقَلُ إلَى جَمِيعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ يَتَلَقَّوْنَهُ مِنْ الْوَاقِفِ - وَالطَّبَقَةُ الْأُولَى أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ - وَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ بَاعَ جَازَ عَلَى الْمُخْتَارِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِ الْمِلْكَيْنِ، فَلَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَنْتَقِلَ مِلْكُهُ الْمُخْتَصُّ إلَى طَبَقَاتِ مَوْقُوفٍ عَلَيْهَا - هُوَ أَحَدُهُمَا - أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ نَقَلَ مِلْكَهُ الْمُخْتَصَّ إلَى مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، ثُمَّ لَهُ فِي الشَّرِكَةِ الْمِلْكُ الثَّانِي مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، وَفِي الْوَقْفِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَيَكُونُ الْجَوَازُ فِيهِ أَوْلَى.

يُؤَيِّدُ هَذَا: أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَكُونَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْجِهَةِ كَوَقْفِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِئْرَ رُومَةَ وَجَعْلِهِ دَلْوَهُ كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَصَلَاةِ الْمَرْءِ فِي مَسْجِدٍ وَقَفَهُ، وَدَفْنِهِ فِي مَقْبَرَةٍ سَبَّلَهَا، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ، فَإِذَا جَازَ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فِي الْجِهَةِ الْعَامَّةِ، جَازَ مِثْلُهُ فِي الْجِهَةِ الْخَاصَّةِ الْمَحْصُورَةِ. لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى. بَلْ الْجَوَازُ هُنَا أَوْلَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِالتَّعْيِينِ، وَهُنَاكَ دَخَلَ فِي الْوَقْفِ بِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُ.

وَلَيْسَ الْغَرَضُ هُنَا تَقْرِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا غَيْرِهَا. وَإِنَّمَا الْغَرَضُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ، حِيَلًا وَخُدَعًا أَكْثَرَ مِمَّا أَنْكَرَهُ السَّلَفُ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِالْحِيَلِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَغْنَاهُمْ عَنْهَا بِسُلُوكِ طَرِيقٍ إمَّا جَائِزٍ لَا رَيْبَ فِيهِ، أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا يَسُوغُ مَعَهُ الْأَخْذُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اجْتِهَادًا، أَوْ تَقْلِيدًا وَهَذَا خَيْرٌ عِنْدَ مَنْ فَقِهَ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ مِنْ الْمُخَادَعَاتِ الَّتِي مَضْمُونُهَا الِاسْتِهْزَاءُ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّلَاعُبُ بِحُدُودِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ شَيْئًا لِيَقِفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَلَى جِهَةٍ مُتَّصِلَةٍ مِنْ بَعْدِهِ فَمَا حُكْمُ هَذَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَكَيْفَ حُكِمَ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ هَذَا الْوَقْفِ؟ قِيلَ: هَذَا التَّمْلِيكُ وَالشَّرْطُ يَضْمَنُ شَيْئَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَهُوَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ إلَى الْمَالِكِ.

وَالثَّانِي: الْإِذْنُ لَهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَمُوَافَقَتُهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا فِي الْمَعْنَى تَوْكِيلٌ لَهُ فِي الْوَقْفِ: فَحُكْمُ هَذَا الْمِلْكِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُمَلَّكُ. وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ وَقْفِهِ لَمْ يَحِلَّ لِوَرَثَتِهِ أَخْذُهُ. وَلَوْ أَخَذَهُ وَلَمْ يَقِفْهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ كَانَ ظَالِمًا عَاصِيًا. وَلَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ صَاحِبُهُ بَعْدَ هَذَا التَّمْلِيكِ لَكَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ نَافِذًا لِنُفُوذِهِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ - وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِمَا تَوَاطَآ

<<  <  ج: ص:  >  >>