للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ.

وَقُلْت لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ يُفْتُونَ فِيهَا بِالْخُلْعِ؛ يُخَالِعُ ثُمَّ يَفْعَلُ فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ مَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ لَهُ فِي هَذَا قَوْلًا مَعْرُوفًا، وَلَا أَرَى مَنْ يَذْكُرُ هَذَا عَنْهُ إلَّا مُحِيلًا.

وَقُلْت لَهُ الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِأَيْمَانِ الْبَيْعَةِ، فَيَحْنَثُ وَيَبْلُغُنِي أَنَّ قَوْمًا يُفْتُونَهُمْ أَنْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، فَجَعَلَ الزُّبَيْرِيُّ يَتَعَجَّبُ مِنْ هَذَا.

وَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَمَا بَلَغَنِي عَنْ عَالِمٍ وَلَا بَلَغَنِي فِيهِ قَوْلٌ وَلَا فَتْوَى. وَلَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ قَطُّ. قُلْت لِلزُّبَيْرِيِّ وَلَا عِنْدَك فِيهَا جَوَابٌ. فَقَالَ: إنْ أَلْزَمَ الْحَالِفُ نَفْسَهُ جَمِيعَ مَا فِي يَمِينِ الْبَيْعَةِ، وَإِلَّا فَلَا أَقُولُ غَيْرَ هَذَا - قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ.

فَكَتَبْت هَذَا الْكَلَامَ مِنْ ظَهْرِ كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ وَقَرَأْته عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْت لَهُ: فَأَنْتَ إيشْ تَقُولُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ: هَكَذَا أَقُولُ، وَإِلَّا فَالسُّكُوتُ عَنْ الْجَوَابِ أَسْلَمُ لِمَنْ أَرَادَ السَّلَامَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذَكَرَ هَذَا الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ بَطَّةَ فِي جُزْءٍ صَنَّفَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يُفْتِي بِخُلْعِ الْيَمِينِ وَذَكَرَ الْآثَارَ فِيهِ عَنْ السَّلَفِ بِالرَّدِّ لَهُ وَأَنَّهُ مُحْدَثٌ فِي الْإِسْلَامِ: وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي خُلْعِ الْيَمِينِ فَكَيْفَ أَنْ يَهَبَهُ شَيْئًا لِيَقِفَهُ عَلَيْهِ وَأَمْثَالُهَا.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنْ يَتَقَلَّدَ قَوْلَ مَنْ يُصَحِّحُ وَقْفَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا.

وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ. فَإِنَّ حُجَّةَ الْمَانِعِ امْتِنَاعُ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مُعْطِيًا مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَلَا يَهَبَ نَفْسَهُ. فَيُقَالُ الْوَاقِفُ شَبِيهُ الْعِتْقِ وَالتَّحْرِيرِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَمْتَنِعُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ. وَأَشْبَهُ شَيْءٍ بِهِ أُمُّ الْوَلَدِ، وَهَذَا مَأْخَذُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ رَقَبَةَ الْوَقْفِ يَنْتَقِلُ مِلْكُهَا إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ. وَإِذَا كَانَ مِثْلَ التَّحْرِيرِ لَمْ يَكُنْ مُمَلِّكًا لِنَفْسِهِ، بَلْ يَكُونُ مُخْرِجًا لِلْمِلْكِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَانِعًا لِنَفْسِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي رَقَبَتِهِ مَعَ الِانْتِفَاعِ بِالْمَنْفَعَةِ فَيُشْبِهُ الِاسْتِيلَاءَ، وَلَوْ قِيلَ: إنَّ رَقَبَةَ الْوَقْفِ تَنْتَقِلُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>