للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ» .

وَفِي ذَمِّ الرَّأْيِ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ عَنْ التَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فِيهَا بَيَانُ أَنَّ الْأَخْذَ بِالرَّأْيِ يُحَلِّلُ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُ الْحَلَالَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ الذَّامَّةَ لِلرَّأْيِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا اجْتِهَادُ الرَّأْيِ عَلَى الْأُصُولِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِي حَادِثَةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ، وَفَقِهَ مَعَانِيَ الْأَحْكَامِ فَيَقِيسُ قِيَاسَ تَشْبِيهٍ وَتَمْثِيلٍ، أَوْ قِيَاسَ تَعْلِيلٍ وَتَأْصِيلٍ قِيَاسًا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، فَإِنَّ أَدِلَّةَ جَوَازِ هَذَا الْمُفْتِي لِغَيْرِهِ وَالْعَامِلِ لِنَفْسِهِ وَوُجُوبَهُ عَلَى الْحَاكِمِ وَالْإِمَامِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ هُنَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقِيَاسِ تَحْلِيلٌ لِمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ. وَلَا تَحْرِيمٌ لِمَا حَلَّلَهُ اللَّهُ.

وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ وَالرَّأْيُ الَّذِي يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ وَيُحَلِّلُ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُ الْحَلَالَ مَا عَارَضَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، أَوْ مَعَانِي ذَلِكَ الْمُعْتَبَرَةُ، ثُمَّ مُخَالَفَتُهُ لِهَذِهِ الْأُصُولِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِفَ أَصْلًا مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً بِدُونِ أَصْلٍ آخَرَ. فَهَذَا لَا يَقَعُ مِنْ مُفْتٍ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ مِمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَمْ يَبْلُغْهُمْ بَعْضُ السُّنَنِ فَخَالَفُوهَا خَطَأً.

وَأَمَّا الْأُصُولُ الْمَشْهُورَةُ فَلَا يُخَالِفُهَا مُسْلِمٌ خِلَافًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ بِأَصْلٍ آخَرَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخَالِفَهَا بَعْضُ الْمَشْهُورِينَ بِالْفُتْيَا. الثَّانِي:

أَنْ يُخَالِفَ الْأَصْلَ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ وَهُوَ فِيهِ مُخْطِئٌ. بِأَنْ يَضَعَ الِاسْمَ عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ، أَوْ عَلَى بَعْضِ مَوْضِعِهِ. وَيُرَاعِيَ فِيهِ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ لِمَعْنًى أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

وَالْحِيَلُ تَنْدَرِجُ فِي هَذَا النَّوْعِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ مُرَادٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَشْيَاءُ، مِنْهَا أَنَّ تَحْلِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>