فَثَبَتَ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَكِنَّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ نَظَرًا وَهَذَا الرَّجُلُ بَصْرِيُّ الْأَصْلِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ لَكِنْ قَالَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْهُنَائِيِّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي يَحْيَى الْهُنَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذْ هَدِيَّةً» وَأَظُنُّ هَذَا هُوَ ذَاكَ انْقَلَبَ اسْمُهُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ لِي إنَّك بِأَرْضٍ الرِّبَا فِيهَا فَاشٍ فَإِذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْك حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا.
وَرَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي أَقْرَضْت رَجُلًا بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَأَهْدَى إلَيَّ هَدِيَّةً جَزْلَةً قَالَ رُدَّ إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ أَوْ احْبِسْهَا لَهُ، وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ إنِّي أَقْرَضْت رَجُلًا يَبِيعُ السَّمَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا فَأَهْدَى إلَيَّ سَمَكَةً قَوَّمْتهَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَقَالَ خُذْ مِنْهُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إذَا أَسْلَفْت رَجُلًا سَلَفًا فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ هَدِيَّةً وَلَا عَارِيَّةَ رُكُوبِ دَابَّةٍ رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ.
فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ قَبْلَ الْوَفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهَدِيَّةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الِاقْتِضَاءَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَلْفَ بِهَدِيَّةٍ نَاجِزَةٍ وَأَلْفٍ مُؤَخَّرَةٍ وَهَذَا رِبًا.
وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَزِيدَ عِنْدَ الْوَفَاءِ وَيُهْدِيَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ مَعْنَى الرِّبَا. وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْمَقَاصِدِ فِي الْعُقُودِ أَجَازَ مِثْلَ ذَلِكَ وَخَالَفَ بِذَلِكَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَمَا ذَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ إذَا بَاعَهُ شَيْئًا وَأَقْرَضَهُ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ فَيَصِيرُ الْقَرْضُ بِزِيَادَةٍ وَذَلِكَ رِبًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute