الْمَكَانِ فَيَتَزَوَّجُهَا فَيَطَأُهَا فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا كَيْفَ يَصْنَعُ يَطَؤُهَا رَجُلٌ الْيَوْمَ وَيَطَأُهَا الْآخَرُ غَدًا هَذَا نَقْضٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ» .
وَلَا يُدْرَى حَامِلٌ أَمْ لَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَسْمَجَ هَذَا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَذَكَرَ الْحِيَلَ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ فَقَالَ يَحْتَالُونَ لِنَقْضِ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَأَبِي الْحَارِثِ هَذِهِ الْحِيَلُ الَّتِي وَضَعُوهَا عَمَدُوا إلَى السُّنَنِ فَنَقَضُوهَا وَالشَّيْءُ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ إنَّهُ حَرَامٌ احْتَالُوا فِيهِ حَتَّى أَحَلُّوهُ وَسَبَقَ تَمَامُ كَلَامِهِ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّا نَعْلَمُ بِاضْطِرَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا نَهَى عَنْ وَطْءِ الْحَبَالَى وَقَالَ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ» . إنَّ مِنْ أَكْثَرِ الْمَقَاصِدِ بِالِاسْتِبْرَاءِ أَنْ لَا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ وَلَا يَشْتَبِهَ النَّسَبُ. ثُمَّ إنَّ الشَّارِعَ بَالَغَ فِي هَذِهِ الصِّيَانَةِ حَتَّى جَعَلَ الْعِدَّةَ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَقْصُودٌ آخَرُ غَيْرُ اسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، فَإِذَا مَلَكَ أَمَةً يَطَؤُهَا سَيِّدُهَا وَأَعْتَقَهَا عَقِبَ مِلْكِهَا وَتَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا اللَّيْلَةَ صَارَ الْأَوَّلُ قَدْ وَطِئَهَا الْبَارِحَةَ وَهَذَا قَدْ وَطِئَهَا اللَّيْلَةَ وَبِاضْطِرَارٍ نَعْلَمُ أَنَّ الْمَفْسَدَةَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ قَائِمَةٌ فِي هَذَا الْوَطْءِ، وَمَنْ تَوَقَّفَ فِي هَذَا كَانَ فِي الشَّرْعِيَّاتِ بِمَنْزِلَةِ التَّوَقُّفِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ، وَكَذَلِكَ نَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِعَ حَرَّمَ الرِّبَا لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ فَضْلٍ عَلَى مَالِهِ مَعَ بَقَاءِ مَالِهِ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ أَكْلًا لِلْمَالِ بِالْبَاطِلِ كَأَخْذِهِ بِالْقِمَارِ وَهُوَ يَسُدُّ طَرِيقَ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ. فَإِنَّهُ مَتَى جَوَّزَ لِصَاحِبِ الْمَالِ الرِّبَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَفْعَلُ مَعْرُوفًا مِنْ قَرْضٍ وَنَحْوِهِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَبْذُلَ لَهُ كَمَا يَبْذُلَ الْقُرُوضَ مَعَ أَخْذِ فَضْلٍ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦] فَجَعَلَ الرِّبَا نَقِيضَ الصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرْبِيَ يَأْخُذُ فَضْلًا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ يَزِيدُ بِهِ مَالُهُ وَالْمُتَصَدِّقَ يَنْقُصُ مَالُهُ فِي الظَّاهِرِ لَكِنْ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: ٣٩] .
فَكَمَا أَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ الصَّدَقَةَ الَّتِي فِيهَا الْإِعْطَاءُ لِلْمُحْتَاجِينَ حَرَّمَ الرِّبَا الَّذِي فِيهِ أَخْذُ الْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute