مِنْ الْمُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَنَّ صَلَاحَ الْخَلْقِ فِي أَنَّ الْغَنِيَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُعْطَى لِلْفَقِيرِ وَأَنَّ الْفَقِيرَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُعْطَى لِلْغَنِيِّ. ثُمَّ رَأَيْت هَذَا الْمَعْنَى مَأْثُورًا عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ آبَائِهِ أَنَّهُ سُئِلَ لِمَ حَرَّمَ اللَّهُ الرِّبَا؟ فَقَالَ: لِئَلَّا يَتَمَانَعَ النَّاسُ الْمَعْرُوفَ، فَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ يُنَبِّهُ عَلَى بَعْضِ عِلَلِ الرِّبَا، فَحَرَّمَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ آخَرَ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بَعْدَ شَهْرٍ أَلْفًا وَمِائَةً وَعَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كُلَّ شَهْرٍ مِائَةً غَيْرَ الْأَلْفِ، وَرِبَا النَّسَاءِ هُوَ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ غَرَضُ الْمُرْبِي فِي أَكْثَرِ الْأُمُورِ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ رِبَا الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الرِّبَا وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرَّمَاءَ» - وَالرِّمَا هُوَ الرِّبَا - رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ، إنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ الرِّمَا مَحْفُوظَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَأَسْقَطَ اعْتِبَارَ الصِّفَاتِ مَعَ إيجَادِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْصُودَةً لِئَلَّا يُفْضِيَ اعْتِبَارُهَا إلَى الرِّبَا وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَشُكُّ الْمُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا حَرَّمَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ دِرْهَمَيْنِ إلَى أَجَلٍ إلَّا لِحِكْمَةٍ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَقُولَ بِعْنِي ثَوْبَك بِأَلْفٍ حَالَّةٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَمُؤَجَّلَةٍ بِالْغَرَضِ الَّذِي كَانَ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي إعْطَاءِ أَلْفٍ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ هُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هَاهُنَا وَمَا أَظْهَرَاهُ مِنْ صُورَةِ الْعَقْدِ لَا غَرَضَ لَهُمَا فِيهِ بِحَالٍ وَلَيْسَ عَقْدًا ثَابِتًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا حَرَّمَ الرِّبَا وَعَظَّمَهُ زَجْرًا لِلنُّفُوسِ عَمَّا تَطْلُبُهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْحِيلَةُ يَحْصُلُ مَعَهَا غَرَضُ النُّفُوسِ مِنْ الرِّبَا عَلِمَ قَطْعًا أَنَّ مَفْسَدَةَ الرِّبَا مَوْجُودَةٌ فِيهَا فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً.
وَكَذَلِكَ السِّفَاحُ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكَمٍ كَثِيرَةٍ وَقَطَعَ تَشْبِيهَهُ بِالنِّكَاحِ بِكُلِّ طَرِيقٍ فَأَوْجَبَ فِي النِّكَاحِ الْوَلِيَّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالْعِدَّةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ لِيُقِيمَ مَعَهَا لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ يُفَارِقَهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ سِفَاحًا وَهُوَ الْمُتْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ مَعَهَا أَلَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِاسْمِ السِّفَاحِ؟ وَكَذَلِكَ نَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا أَوْجَبَ الشُّفْعَةَ لَلشَّرِيك لِعِلْمِهِ بِأَنَّ مَصِيرَ هَذَا الشِّقْصِ لِلشَّرِيكِ مَعَ حُصُولِ مَقْصُودِ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ خَيْرٌ مِنْ حُصُولِهِ لِأَجْنَبِيٍّ يَنْشَأُ بِسَبَبِهِ ضَرَرُ الشَّرِكَةِ وَالْقِسْمَةِ فَأَوْجَبَ هَذَا الْخَيْرَ الَّذِي لَا شَرَّ فِيهِ، فَإِذَا سَوَّغَ الِاحْتِيَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute