للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْخَمْرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى زَوَالِ الْعَقْلِ وَهَذَا فِي الْأَصْلِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، ثُمَّ إنَّهُ حَرَّمَ قَلِيلَ الْخَمْرِ وَحَرَّمَ اقْتِنَاءَهَا لِلتَّخْلِيلِ وَجَعَلَهَا نَجِسَةً لِئَلَّا تُفْضِيَ إبَاحَتُهُ مُقَارَبَتَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَا لِإِتْلَافِهَا عَلَى شَارِبِهَا، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ الْخَلِيطَيْنِ، وَعَنْ شُرْبِ الْعَصِيرِ وَالنَّبِيذِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَعَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الَّتِي لَا نَعْلَمُ بِتَخْمِيرِ النَّبِيذِ فِيهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَقَاءِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ خِلَافٌ - وَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى بَعْضَ ذَلِكَ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً فَقَالَ: «لَوْ رَخَّصْت لَكُمْ فِي هَذِهِ لَأَوْشَكَ أَنْ تَجْعَلُوهَا مِثْلَ هَذِهِ» . يَعْنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ النُّفُوسَ لَا تَقِفُ عِنْدَ الْحَدِّ الْمُبَاحِ فِي مِثْلِ هَذَا.

الْخَامِسُ: أَنَّهُ حَرَّمَ الْخَلْوَةَ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالسَّفَرَ بِهَا وَلَوْ فِي مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ حَسْمًا لِمَادَّةِ مَا يُحَاذَرُ مِنْ تَغَيُّرِ الطِّبَاعِ وَشِبْهِ الْغَيْرِ. السَّادِسُ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ بِنَاء الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَلَعَنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ تَكْبِيرِ الْقُبُورِ وَتَشْرِيفِهَا وَأَمَرَ بِتَسْوِيَتِهَا، وَنَهَى عَنْ الصَّلَاةِ إلَيْهَا وَعِنْدَهَا، وَعَنْ إيقَادِ الْمَصَابِيحِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى اتِّخَاذِهَا أَوْثَانًا، وَحَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ قَصَدَ هَذَا وَمَنْ لَمْ يَقْصِدْهُ بَلْ قَصَدَ خِلَافَهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ.

السَّابِعُ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ أَنَّهُمَا وَقْتُ سُجُودِ الْكُفَّارِ لِلشَّمْسِ فَفِي ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بِهِمْ وَمُشَابَهَةُ الشَّيْءِ لِغَيْرِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى أَنْ يُعْطَى بَعْضُ أَحْكَامِهِ فَقَدْ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى السُّجُودِ لِلشَّمْسِ أَوْ أَخْذِ بَعْضِ أَحْوَالِ عَابِدِيهَا. الثَّامِنُ: أَنَّهُ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ «إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» - «إنَّ الْيَهُودَ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ فَخَالِفُوهُمْ» ، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَاشُورَاءَ: «لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: «لَا تَشَبَّهُوا بِالْأَعَاجِمِ» وَقَالَ فِيمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا» ، حَتَّى قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْمُشَابَهَةَ فِي بَعْضِ الْهُدَى الظَّاهِرِ يُوجِبُ الْمُقَارَبَةَ وَنَوْعًا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ يُفْضِي إلَى الْمُشَارَكَةِ فِي خَصَائِصِهِمْ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَبِ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى فَسَادٍ عَرِيضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>