للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَ التَّحْرِيمِ وَالْأَكْثَرِينَ يَقُولُونَ الْبَلَاغُ شَرْطٌ فِي مُوجَبِ التَّحْرِيمِ وَمُقْتَضَاهُ لَا فِي نَفْسِهِ فَعَدَمُهُ يَنْفِي أَثَرَهُ لَا عَيْنَهُ، وَيُسَمَّى نَظِيرُ الْأَوَّلِ مَانِعَ السَّبَبِ. وَنَظِيرُ الثَّانِي مَانِعَ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ السَّهْمِ الْمُفَرَّقِ تَارَةً يُنْكَرُ فِي نَفْسِهِ وَتَارَةً لَا يُصَادِفُ غَرَضًا يَخْرِقُهُ أَوْ يَكُونُ الْغَرَضُ مُصَفَّحًا بِحَدِيدٍ.

وَإِذَا تَبَيَّنَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا أَوْ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا. فَخُذْ فِي النَّظَرِ الثَّانِيَ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمَنْكُوحَةَ أَوْ الْمَبِيعَ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ فِي الْبَاطِنِ. أَوْ انْعَقَدَ بِسَبَبِ تَحْرِيمِهِ فِي الْبَاطِنِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَنْكِحُ لَمْ يَعْلَمَا ذَلِكَ فَإِنْ هَذَا وَطِئَ الْمَرْأَةَ أَوْ أَكَلَ هَذَا الطَّعَامَ لَمْ يُعَاقَبَا عَلَى ذَلِكَ.

وَهَلْ يُقَالُ هُوَ مُبَاحٌ ظَاهِرًا أَوْ يُقَالُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ بَلْ هُوَ عَفْوٌ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ هَذَا قَدْ تَنَازَعَ فِيهِ مَنْ أَثْبَتَ التَّحْرِيمَ الْبَاطِنَ وَمَنْ نَفَاهُ. وَإِنْ كَانُوا يُطْلِقُونَ تَارَةً عَلَيْهِ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي الظَّاهِرِ وَمُبَاحٌ، فَإِنَّهُمْ يَتَنَازَعُونَ هَلْ الْحِلُّ هُنَا بِمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِيهِ كَمَا أَذِنَ فِي لُحُومِ الْأَنْعَامِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ كَمَا عَفَا عَمَّا لَمْ يَنْطِقْ بِتَحْرِيمِهِ وَلَا تَحْلِيلِهِ. وَكَمَا عَفَا عَنْ فِعْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَعَنْ فِعْلِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الرِّسَالَةُ.

وَإِنَّمَا يَقَعُ النِّزَاعُ فِي النَّوْعِ مُطْلَقًا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَحْرِيمُهُ إنْ تَعَيَّنَ عَمَلُ وَاحِدٍ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرَامًا فِي الْبَاطِنِ فَأَمَّا مَا قَامَ دَلِيلُ حِلِّهِ وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافَهُ فَلَا نَقُولُ إلَّا أَنَّهُ حَلَالٌ. ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَحُكْمُ قَوْلِنَا حُكْمُ فِعْلِنَا فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ نَصَبَ دَلِيلَ الْحِلِّ وَهُوَ الْعَقْدُ وَكَلَامُ الْبَائِعِ وَالزَّوْجَةِ الَّذِي سَوَّغَ الشَّارِعُ تَصْدِيقَهُمَا. وَخَطَأُ الدَّلِيلِ لَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ إذَا كَانَ الشَّارِعُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي اتِّبَاعِهِ.

وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مِمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يُؤَاخِذْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْخَطَإِ الَّذِي عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَهَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَنْ اسْتَحَلَّ شَيْئًا لَمْ يَعْلِمْ اللَّهَ حَرَّمَهُ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلتَّحْرِيمِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ خِطَابُ الشَّارِعِ. كِلَاهُمَا عَادِمٌ لِلْعِلْمِ بِمَا يَدُلُّ لَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَمِثْلُ هَذَا قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُ إبَاحَةً شَرْعِيَّةً بِمَعْنَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، نَعَمْ، قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا اُسْتُبِيحَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَاخْتَلَفَتْ، وَبَيْنَ مَا فُعِلَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ الشَّرْعِيِّ. كَمَا فَرَّقَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي قَتْلِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِشَرِيعَةٍ مَنْسُوخَةٍ. فَأَوْجَبُوا دِيَتَهُ وَغَيْرِ الْمُتَمَسِّكِينَ فَلَمْ يُوجِبُوا دِيَتَهُ.

وَكَمَا قَدْ يُفَرِّقُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>