للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْمُسْتَحِلِّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ. فَيَقُولُونَ: إنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ النَّاسِخُ. وَيُثْبِتُونَ حُكْمَ التَّحْرِيمِ وَالْإِيجَابَ الْمُبْتَدَأَ فِي حَقِّهِ قَبْلَ بُلُوغِ الْخِطَابِ.

وَلِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ حُكْمُ تَحْرِيمٍ وَلَا إيجَابٍ لَا مُبْتَدَأٍ وَلَا نَاسِخٍ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَالثَّانِي: يَثْبُتُ حُكْمُهَا قَبْلَ الْعِلْمِ وَالتَّمْكِينِ مِنْهُ لَا بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ لَكِنْ مَعْنَى الِاسْتِدْرَاكِ إمَّا بِإِعَادَةٍ أَوْ نَزْعِ مِلْكٍ، وَالثَّالِثُ: يَثْبُتُ الْمُبْتَدَأُ وَلَا يَثْبُتُ النَّاسِخُ.

وَلَيْسَ كَلَامُنَا هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ عَدَمَ الْإِثْمِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ نَوْعًا وَشَخْصًا فِي الْأَحْكَامِ الْمُعَيَّنَةِ شَخْصًا مِثْلُ اسْتِحْلَالِ هَذَا الْفَرْجِ وَهَذَا الْمَالِ بِبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ مَعَ الِانْتِفَاءِ فِي الْبَاطِنِ فَقَطْ. هَلْ لِقِيَامِ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ ظَاهِرًا أَوْ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ الشَّرْعِيِّ ظَاهِرًا. فَإِنَّ بَيْنَ ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ وَثُبُوتِ التَّحْلِيلِ الشَّرْعِيِّينَ مَنْزِلَةُ الْعَفْوِ، وَهُوَ فِي كُلِّ فِعْلٍ لَا تَكْلِيفَ فِيهِ أَصْلًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَنْهَا} [المائدة: ١٠١] ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «إنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى النَّاسِ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ» .

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ النَّوْعِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ نَاسِخُهُ وَبَيْنَ الشَّخْصِ الَّذِي اُعْتُقِدَ انْدِرَاجُهُ فِي الْقِسْمِ الْجَائِزِ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي نَفْسِ هَذَا الْحُكْمِ حَتَّى يَأْتِيَ النَّاسِخُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ خَطَأٌ أَصْلًا لَا مَعْذُورٌ هُوَ فِيهِ وَلَا غَيْرُ مَعْذُورٍ هُوَ فِيهِ.

وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ هَذَا الْبَائِعَ صَادِقٌ أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ خَلِيَّةٌ فَهَذَا اعْتِقَادُهُ فِي أَمْرٍ عَيْنِيٍّ، وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ اللَّهَ أَبَاحَ هَذَا الِاعْتِقَادَ الْمُعَيَّنَ وَالْعَمَلَ بِهِ، بَلْ يُقَالَ إنَّ اللَّهَ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ الْمُعَيَّنِ، وَلِهَذَا فَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ بَيْنَ مَنْ عَمِلَ بِنَصٍّ قَدْ جَاءَ فِيهِ نَصٌّ آخَرُ فَمُنِعَ أَنْ يُسَمَّى مُخْطِئًا. وَمَنْ عَمِلَ بِاجْتِهَادٍ فَقَالَ فِيهِ لَا يَدْرِي أَصَابَ الْحَقَّ أَمْ أَخْطَأَ. إذَا كَانَ مُتَّبِعَ النَّصِّ قَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِاتِّبَاعِ هَذَا النَّصِّ الْمُعَيَّنِ، وَمُتَّبِعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>