أَرْقِعَةٍ» ، وَقَوْلُ سُلَيْمَانَ اللَّهُمَّ أَسْأَلُك حُكْمًا يُوَافِقُ حُكْمَك كُلَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ كَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ عَلَى فَسَادِهِ.
الْمَقَامُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ نَصَبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُعَيَّنِ دَلِيلًا. فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَامَّةُ أَنَّ اللَّهَ نَصَبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِلُّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ.
وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ فِي كِتَابِهِ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الدِّينَ قَدْ كَمُلَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا إلَّا بِالْأَدِلَّةِ الْمَنْصُوبَةِ لِبَيَانِ حُكْمِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَلَزِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ تُجْمِعُ عَلَى الْخَطَإِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ، أَوْ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ تَخْمِينًا وَالْقَائِلُونَ بِالْأَشْبَهِ أَوْ بَعْضُهُمْ يَقُولُونَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ يَحْكُمُ بِالْفِعْلِ حَتَّى يَجِبَ نَصْبُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ. وَقَدْ حُكِيَ هَذَا عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُبْهَمًا وَيَتَوَجَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ تَخْمِينًا وَاتِّفَاقًا.
الْمَقَامُ الثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ الدَّلِيلَ هَلْ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ أَوْ الْعِلْمَ الظَّاهِرَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمُتَكَلِّمُونَ الظَّنَّ وَيُسَمَّى الِاعْتِقَادُ. فَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ مَنْ يَقُولُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يُفِيدُ الْيَقِينَ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤَثِّمُ مُخَالِفَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ، وَرُبَّمَا فَسَّقَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤَثِّمُهُ وَلَا يُفَسِّقُهُ وَقَدْ يُؤَثَّمُ وَلَا يُفَسَّقُ، وَأَمَّا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَلِيلٌ يُفِيدُ الِاعْتِقَادَ الرَّاجِحَ الَّذِي يُسَمَّى الظَّنَّ الْغَالِبَ، وَقَدْ يُسَمَّى الْعِلْمَ الظَّاهِرَ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ السَّلَفِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يَقِينِيٌّ وَتَارَةً لَا يَكُونُ الدَّلِيلُ يَقِينًا وَكَوْنُ الْمَسْأَلَةِ مُخْتَلِفًا فِيهَا لَا يَمْنَعُ أَنَّ دَلِيلَهَا يَكُونُ يَقِينًا، وَيَكُونُ مَنْ خَالَفَهُ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ أَوْ ذُهِلَ عَنْهُ، وَقَدْ يَكُونُ يُفِيدُ اعْتِقَادًا قَوِيًّا غَالِبًا يُسَمَّى أَيْضًا يَقِينًا، وَإِنْ كَانَ تَجْوِيزُ نَقِيضِهِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَعَلَى هَذَا يَتَفَرَّعُ نَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَجَوَازُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَنْ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْمُعَيَّنِ، وَالِائْتِمَامِ بِمَنْ أَخَلَّ بِفَرْضٍ فِي مَذْهَبِ الْمَأْمُورِ وَتَعْيِينِ الْمُخْطِئِ وَالتَّغْلِيظِ عَلَى الْمُخَالِفِ.
الْمَقَامُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ الْيَقِينِيَّةَ أَوْ الِاعْتِقَادِيَّةَ. لَا بُدَّ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا بَعْضُ الْأُمَّةِ لِئَلَّا تَكُونَ الْأُمَّةُ مُجْمِعَةً عَلَى الْخَطَإِ، وَلَا يَحْصُلُ مُقْتَضَاهُ إلَّا لِمَنْ بَلَغَتْهُ وَنَظَرَ فِيهَا، فَمَنْ يَبْلُغُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ وَلَا قُصُورٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِمَا هُوَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لَوْلَا مُعَارَضَةُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ كَالْمُتَمَسِّكِ بِالْعَامِّ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ تَخْصِيصُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِحَقٍّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute