الْبَاطِنِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ نَسَخَتْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَمَسِّكًا بِالنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، فَهَلْ يُقَالُ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مُصِيبٌ أَوْ مُخْطِئٌ. أَوْ مُصِيبٌ مِنْ وَجْهٍ مُخْطِئٌ مِنْ وَجْهٍ، أَوْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ صَوَابٌ وَلَا خَطَأٌ، وَهَلْ يُقَالُ فَعَلَ مَا وَجَبَ أَوْ مَا لَمْ يَجِبْ. أَوْ مَا أُبِيحَ أَوْ مَا لَمْ يُبَحْ هَذَا الْمَقَامُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ أَكْثَرُ شُعَبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مَنْ يُطْلِقُ عَلَيْهِ الْخَطَأَ فِي الْبَاطِنِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهُوَ عِنْدَهُ مَعْذُورٌ بَلْ مَأْجُورٌ.
وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنَّ النَّسْخَ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ إذَا بَلَغَهُ الرَّسُولُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمُكَلَّفِ بِمَعْنَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَالضَّمَانِ إذَا بَلَغَهُ لَا بِمَعْنَى التَّأْثِيمِ، وَيَقُولُ إنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْقِبْلَةَ لَا تَجِبُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَهَا فِي زَمَانِنَا إذَا كَانَ قَدْ اجْتَهَدَ وَإِنْ سَمَّيْتَهُ مُخْطِئًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ الْخَطَأَ عَلَى الْمُتَمَسِّكِ بِدَلِيلٍ لَيْسَ فِي الْبَاطِنِ دَلِيلًا وَعَلَى الْمُتَمَسِّكِ بِالنَّفْيِ دُونَ الْمُسْتَصْحِبِ لِلْحُكْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَا حَكَمَ بِمُوجَبِ دَلِيلٍ قَطُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُطْلِقُ الْخَطَأَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ.
وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْمُخْطِئِ عُمُومًا أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي الْبَاطِنِ وَفِي الْحُكْمِ، هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي لَكِنْ عِنْدَهُ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْبَلَاغِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ بِمُخْطِئٍ فِي الْحُكْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ مُصِيبٌ فِي الْحُكْمِ، حَكَى هَذَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ، وَخَرَّجَ الْقَاضِي فِي الْخَطَإِ فِي الْحُكْمِ رِوَايَتَيْنِ، وَخَرَّجَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَالصَّحِيحُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْبَاطِنِ حَكَمَ فِي حَقِّهِ أَنْ يُقَالَ هُوَ مُصِيبٌ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، أَوْ مُصِيبٌ فِي اجْتِهَادِهِ دُونَ اعْتِقَادِهِ، أَوْ مُصِيبٌ إصَابَةً مُقَيَّدَةً لَا مُطْلَقَةً بِمَعْنَى أَنَّ اعْتِقَادَ الْإِيجَابِ وَالتَّحَرِّي لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ اعْتَقَدَهُ عَامًّا هَذَا فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ «أَنَّ الْحَاكِمَ الْمُجْتَهِدَ الْمُخْطِئَ لَهُ أَجْرٌ وَالْمُصِيبَ أَجْرَانِ» ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَصَابَ حُكْمَ اللَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا لَكَانَا سَوَاءً، وَلَمْ يُنْقَضْ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُفْتِي إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ النَّصَّ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ غَيْرِ قُصُورٍ وَلَا تَقْصِيرٍ، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ» . وَلَمَّا قَالَ «لِسَعْدٍ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ» ، إنْ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ يَحْكُمُ بِحُكْمِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute