تَخْصِيصُهُ إلَّا لِوُجُودِ مَانِعٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ عُمُومِهِ، فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِحَالٍ.
يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّا لَوْ قَصَرْنَاهُ عَلَى التَّحْلِيلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ هِيَ التَّحْلِيلَ وَلَا شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِ التَّحْلِيلِ، بَلْ الْعِلَّةُ تَوْقِيتُ النِّكَاحِ أَوْ شَرْطُ الْفُرْقَةِ فِيهِ بِالْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ قَصْدِ التَّحْلِيلِ فَكَيْفَ تُعَلِّقُ الْحُكْمَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مُنَاسِبٍ ثُمَّ لَا تَجْعَلُ الْعِلَّةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَقَّ مِنْهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِهِ، بَلْ شَيْئًا قَدْ يُوجِبُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ، لَقَدْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ لَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَعَنَ اللَّهُ مَنْ شَرَطَ التَّحْلِيلَ فِي الْعَقْدِ، وَهَذَا بَيِّنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّحْلِيلُ هُوَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ فَقَطْ، لَكَانَ إنَّمَا لُعِنَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نِكَاحٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ مَشْرُوطٌ فِيهِ زَوَالَهُ، أَوْ الْفُرْقَةَ، وَحِينَئِذٍ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُبَاحَ لَمَّا كَانَتْ الْمُتْعَةُ مُبَاحَةً، وَأَنْ يَكُونَ فِي التَّحْرِيمِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتْعَةِ، وَلَمَّا «لَعَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» ، وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ لَعْنُ الْمُسْتَمْتِعِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ أُبِيحَ التَّحْلِيلُ فِي الْإِسْلَامِ قَطُّ، بَلْ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى إبَاحَةَ الْمُتْعَةِ وَيُفْتِي بِهَا، وَيَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَعَنَ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ، وَيَلْعَنُ هُوَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيُفْتِي بِتَحْرِيمِهِ وَيَقُولُ إنَّ التَّحْلِيلَ الْمَكْتُومَ مُخَادَعَةٌ لِلَّهِ، وَأَنَّهُ مَنْ يُخَادِعْ اللَّهَ يَخْدَعْهُ، عُلِمَ أَنَّ التَّحْلِيلَ حُرِّمَ لِقَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُتْعَةِ، وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَمْتِعَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَقَصَدَ إنْ كَانَتْ إلَى أَجَلٍ، وَالْمُحَلِّلَ لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي النِّكَاحِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ بِمَنْزِلَةِ التَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَاشِيَةِ يَسْتَعِيرُ التَّيْسَ لَا لِأَجْلِ الْمِلْكِ وَالْقِنْيَةِ، وَلَكِنْ لِيُنْزِيَهُ عَلَى غَنَمِهِ، فَكَذَلِكَ الْمُحَلِّلُ لَا رَغْبَةَ لِلْمَرْأَةِ وَوَلِيِّهَا فِي مُصَاهَرَتِهِ وَمُنَاكَحَتِهِ وَاِتِّخَاذِهِ خَتَنًا، وَإِنَّمَا يَسْتَعِيرُونَهُ لِيُنْزُونَهُ عَلَى فَتَاتِهِمْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ سَوَاءٌ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ.
الْوَجْهُ الثَّامِنُ: أَنَّهُ قَرَنَهُ بِالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ وَالْوَاصِلَةِ وَالْمَوْصُولَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ هُوَ التَّدْلِيسُ وَالتَّلْبِيسُ، فَإِنَّ هَذِهِ تُظْهِرُ مِنْ الْخِلْقَةِ مَا لَيْسَ لَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُحَلِّلُ يُظْهِرُ مِنْ الرَّغْبَةِ مَا لَيْسَ لَهُ، وَكَذَلِكَ قَرَنَهُ بِآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ كِلَاهُمَا يَسْتَحِلُّ بِالتَّدْلِيسِ وَالْمُخَادَعَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا اسْتِحْلَالٌ لِلرِّبَا، وَهَذَا لِلزِّنَا وَالزِّنَا وَالرِّبَا فَسَادُ الْأَنْسَابِ وَالْأَمْوَالِ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ فِيمَا مَضَى وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثَ «مَا ظَهَرَ الرِّبَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute