وَالزِّنَا فِي قَوْمٍ إلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ الْعِقَابَ» ، وَإِذَا كَانَ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا التَّدْلِيسَ وَالْمُخَادَعَةَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا فِي التَّحْلِيلِ الْمَكْتُومِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي التَّحْلِيلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ.
الْوَجْهُ التَّاسِعُ: أَنَّا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ النَّصِّ فِي التَّحْلِيلِ الْمَقْصُودِ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ بَيَّنُوا أَنَّ مِنْ التَّحْلِيلِ الْمَقْصُودِ مَا قُصِدَ بِالْعَقْدِ سَوَاءٌ شُرِطَ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَقْصُودِهِ وَأَعْرَفُ بِمُرَادِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُ بِمَفْهُومِ الْخِطَابِ اللُّغَوِيِّ، وَبِأَسْبَابِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَبِدَلَالَاتِ حَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ رَوَى حَدِيثَ التَّحْلِيلِ، مِثْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا رَوَى الْحَدِيثَ وَفَسَّرَهُ بِمَا يُوَافِقُ الظَّاهِرَ وَلَا يُخَالِفُهُ، كَانَ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِهِ وَاجِبًا مَانِعًا مِنْ التَّأْوِيلِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ الْحَدِيثَ مُسْنَدًا فَقَدْ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا، وَقَدْ ثَبَتَ بِمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مِنْ إطْلَاقِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ مَا قَصَدَ بِهِ التَّحْلِيلَ، وَإِنَّمَا نَهَى هَؤُلَاءِ عَنْهُ اسْتِدْلَالًا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمْ فَهِمُوا ذَلِكَ مِنْهُ.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّحْلِيلُ يَنْقَسِمُ إلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَصَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ فِي أَوْقَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ وَأَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا مَا هُوَ نَصٌّ فِي التَّحْلِيلِ الْمَقْصُودِ وَمِنْهَا مَا هُوَ كَالنَّصِّ، فَلَوْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ التَّحْلِيلِ بَلْ أَكْثَرُهُ مُبَاحًا كَمَا يَقُولُهُ الْمُنَازِعُ، لَكَانَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فَضْلًا عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَلَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْصِلُوا وَلَمْ يُبَيِّنُوا كَانَ هَذَا مِمَّا يُوجِبُ الْقَطْعَ، أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلِيَّ لَا حَقِيقَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ، وَأَنَّ جِنْسَ التَّحْلِيلِ حَرَامٌ فِيمَا عَنَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيمَا فَهِمُوهُ، وَهَذَا يُوجِبُ الْيَقِينَ التَّامَّ بَعْدَ اسْتِقْرَاءِ الْآثَارِ وَتَأَمُّلِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: تَسْمِيَتُهُ تَيْسًا مُسْتَعَارًا دَلِيلٌ عَلَى مُشَارَطَتِهِ عَلَى التَّحْلِيلِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ إنَّمَا يَكُونُ اسْتِعَارَةً إذَا اتَّفَقْنَا جَمِيعًا عَلَى التَّحْلِيلِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي النِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ. قُلْنَا: الْمُسْتَعِيرُ لَهُ هُوَ الْمُطَلِّقُ، فَإِنَّ الْمُطَلِّقَ كَانَ يَجِيءُ إلَى بَعْضِ النَّاسِ فَيَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يُحَلِّلَ لَهُ الْمَرْأَةَ، فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ التَّيْسِ الَّذِي اُسْتُعِيرَ لِيَنْزُوَ عَلَى الشَّاةِ؛ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي لَهُ غَرَضٌ فِي مُرَاجَعَةِ الْمَرْأَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشَّاةِ الَّذِي لَهُ غَرَضٌ فِي إنْزَاءِ التَّيْسِ عَلَى شَاتِهِ، فَيَنْبَغِي مِنْهُ الْوَطْءُ كَمَا يَنْبَغِي مِنْ التَّيْسِ النُّزُوُّ، فَإِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute