قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ فَرَوَى أَبُو حَفْصٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ قَالَ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ: إنَّهُ يُفْسَخُ نِكَاحُهُ فِي الْحَالِ، قُلْت أَوَ لَيْسَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ حَدِيثُ ذِي الرُّقْعَتَيْنِ حَيْثُ أَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ لَا يُفَارِقَهَا، قَالَ لَيْسَ لَهُ إسْنَادٌ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ لِابْنِ سِيرِينَ وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا لَمْ يَرَ عُمَرُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الَّذِينَ سَمِعُوهُ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا. قُلْت: وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَحْلِيلِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا فَقَالَ: ذَلِكَ السِّفَاحُ لَوْ أَدْرَكَكُمْ عُمَرُ لَنَكَّلَكُمْ وَأَحَادِيثُ ابْنِ عُمَرَ كُلُّهَا تُبَيِّنُ أَنَّ نَفْسَ التَّحْلِيلِ الْمَكْتُومِ زِنًا وَسِفَاحٌ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَبِيهِ بِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ ذَلِكَ لَنَكَّلَ عَلَيْهِ.
وَسَائِرُ الْآثَارِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا تُبَيِّنُ أَنَّ التَّحْلِيلَ عِنْدَهُمْ كُلُّ نِكَاحٍ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُحِلَّهَا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إلَّا رَجَمْتُهُمَا، فَعُلِمَ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ التَّحْلِيلَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مَكْتُومًا، فَالْمُنْقَطِعُ إذَا عَارَضَ الْمُسْنَدَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا إنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ. فَلَعَلَّهُ لَمْ تَكُنْ الْإِرَادَةُ فِيهِ مِنْ الزَّوْجِ الثَّانِي. وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ، وَقَدْ أَجَابَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَفْصٍ بِهَذَا الْجَوَابِ أَيْضًا. ثُمَّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَعَلَّهُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَمْ يَنْوِ التَّحْلِيلَ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرَطُوهُ بَلْ قَصَدَ نِكَاحَ الرَّغْبَةِ، وَيُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا لِلزَّوْجِ سَبَبًا مِنْ ذَلِكَ بَلْ زَوَّجُوهُ بِهَا، وَتَوَاطَئُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ شَيْئًا لِيُطَلِّقَهَا، وَلَمْ يُشْعِرُوهُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْمَرْوِيِّ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ شَارَطُوهُ عَلَى الْخُلْعِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا عَلَيْهِ الطَّلَاقَ بِمَالٍ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى بَذْلِ الْمَالِ لَهُ، فَهُوَ مُوَاطَأَةٌ عَلَى فُرْقَةٍ مِنْ الزَّوْجِ، وَمِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُوَاطَأَةِ عَلَى الطَّلَاقِ الْمُجَرَّدِ، كَالْمُوَاطَأَةِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا الزَّوْجُ أَوْ يَهَبَهَا إيَّاهُ، إذَا كَانَ عَبْدَهُ، وَمَعَ هَذَا فَيُمْكِنُ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَشْهَدْ الْقِصَّةَ، وَإِنَّمَا سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ إذَا حَدَّثَ بِهَا قَدْ لَا يُخْبِرُ الْمُخْبِرُ بِأَعْيَانِ الْأَلْفَاظِ وَتَرْتِيبِهَا. لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا غَيْرَ ذَلِكَ. بَلْ يَذْكُرُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ.
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْقِدَ النِّكَاحَ عَلَى صَدَاقٍ يَلْتَزِمُهُ الزَّوْجُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ حِكَايَةُ حَالٍ لَمْ يَشْهَدْهَا الْحَاكِي، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute