لِأَنَّ الطَّلَاقَ حَقٌّ لَهَا وَعُمَرُ لَا يُجْبِرُ عَلَى تَوْفِيَةِ حَقٍّ لَمْ يَطْلُبْهُ صَاحِبُهُ، بَلْ عَفَا عَنْهُ، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَظْهَرَ بَعْدَ هَذَا تَحْرِيمَ الْمُتْعَةِ وَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ وَحِكَايَةُ حَالٍ، وَالْحَاكِي لَهَا يَشْهَدُهَا لِيَسْتَوْفِيَ صِفَتَهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَمَّا رَغِبَتْ فِي الرَّجُلِ وَهُوَ قَدْ رَغِبَ فِيهَا وَهِيَ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ هِيَ أَوْلَى بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ خَاطِبٍ، قَدْ رَغِبَتْ الْمَرْأَةُ فِيهِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بِإِمْسَاكِهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَ لَهُ لَا تُطَلِّقْهَا، فَإِنَّ الْفُرْقَةَ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا يُسَمَّى طَلَاقًا، وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا. حَتَّى قَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ طَلَاقٌ وَاقِعٌ، وَهَذَا كَمَا رُوِيَ «عَنْ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَسْلَمْت وَعِنْدِي أُخْتَانِ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الطَّلَاقُ الَّذِي يَنْقُصُ بِهِ الْعَدَدُ.
وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الْإِمْسَاكَ كَانَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ لَا بِذَلِكَ النِّكَاحِ. أَشْيَاءُ: أَحَدُهَا: أَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ كَيْفُ مَوْضِعُك مِنْ قَوْمِك. قَالَ لَيْسَ بِمَوْضِعِي بَأْسٌ. قَالَتْ إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ لَك أَتُطَلِّقُ امْرَأَتَك فَقُلْ لَا وَاَللَّهِ لَا أُطَلِّقُهَا. فَاعْتَبَرَتْ الْمَرْأَةُ كَفَاءَتَهُ بِعِلْمِهَا. بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْأَوْلِيَاءِ بِهَا تَعَلُّقٌ. فَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا لَازِمًا. لَمْ يَكُنْ لِلْأَوْلِيَاءِ الِاعْتِرَاضُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ اعْتِرَاضٌ لَهُمْ إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ، وَوَقَعَ النِّكَاحُ بِلَا رِضَاهُمْ. فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَكُنْ قَدْ انْعَقَدَ لَازِمًا إلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَ مَقْصُودُهُمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ كُفْءٍ يُبْطِلُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَائِلُ لَأَمْنَعَنَّ خُرُوجَ ذَوَاتِ الْأَحْسَابِ إلَّا مِنْ الْأَكْفَاءِ.
وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فَيُقَالُ لَمْ يَكُنْ الْأَوْلِيَاءُ يُمْكِنُهُمْ الطَّعْنُ فِي كَفَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ. إنْ كَانَ يَرَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ فَلَا يَنْفَعُهُمْ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ فَاسِدًا فَلَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ فَلَا يَنْفَعُهُمْ ذِكْرُهُ. فَعَلَى التَّقْرِيرَيْنِ لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِذِكْرِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ غَيْرَ لَازِمٍ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ لَوْ طَلَّقْتهَا لَأَوْجَعْت رَأْسَك بِالسَّوْطِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا النِّكَاحُ صَحِيحًا يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَنْهَهُ عُمَرُ عَنْ طَلَاقِهَا إذَا أَرْضَوْهُ، وَهُوَ يَرَى شَغَفَ الْأَوَّلِ بِهَا، وَصَفْوَ الْأَوْلِيَاءِ إلَيْهِ فَلَمَّا نَهَاهُ عَنْ مُفَارَقَتِهَا كَانَ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute